فأفلتت منه وقالت وصوتها مختنق: «أبكي على سوء حظي ... يا لتعاستي!»
فقال: «وأي تعاسة؟ هل في الدنيا فتاة أسعد حالا منك؟ ستزفين بعد ساعات قليلة إلى أنبل الشبان. وهذا أمير المؤمنين قد جاء بنفسه؛ ليكون زفافك على يده. إن ألوفا من الأميرات يحسدنك على هذا الحظ وأنت تشكين من سوئه؟»
فقالت: «إني سيئة الحظ ... دعني الآن ...»
قال: «كيف أتركك وأنا قادم إليك بمهمة من المعز لدين الله ... بلغه أنك ماهرة في ركوب الخيل فطلب أن يراك على الجواد.»
فلما سمعت قوله شعرت بارتياح؛ لأن خروجها على الفرس ينجيها من مضايقة المواشط. وكانت إذا ركبت الفرس اعتزت على صهوته ونسيت كل مصائبها. وهي مع ذلك تحترم إرادة الخليفة. لكنها لم تجد في نفسها ميلا إلى الخروج في تلك الساعة وهي غارقة في القلق والاضطراب فقالت: «كيف يخرج مثلي إلى ساحة السباق؟ إن هذا لم يسمع به.»
قال: «صحيح لكن أمر الخليفة لا يمكن رده. وقد وافق عليه القائد جوهر وابنه الحسين .»
فلما سمعت اسم الحسين عادت إلى هواجسها وندمت؛ لأنها لم تقطع في هذه المسألة من أول الأمر، من يوم خاطبوها بهذا الشأن ... كان ينبغي أن ترفض أو تقبل أو تهرب أو ... ولا ترضخ لذلك التردد شهرا كاملا حتى إذا أزفت الساعة ضاقت بها الحيلة ...
فلما طال سكوتها ظنها آسفة لخروجها من بيت أبيها ودخولها بيت رجل غريب كما يصيب أغلب البنات في مثل هذه الحال. فأمسكها بيدها وأنهضها وهو يقول لها: «اركبي جوادك وانزعي الأوهام عنك ... إنك ذاهبة إلى بيت أعظم من بيت أبيك وستزفين إلى شاب هو أعظم شبان هذه الديار ... قومي ... هيا بنا ... إن الخليفة في انتظارنا.»
الفصل الخامس والثلاثون
لمياء على الجواد
صفحه نامشخص