فأمسكتها والدتها بيدها وحاولت تحويل وجهها نحوها فأفلتت هند وغطت وجهها بكمها لئلا يظهر بكاؤها فتحققت سعدى أن هندا تبكى فكاد قلبها ينفطر عليها فقالت: «ما بالك يا هند ما الذي يبكيك ألعلي أصبت ظني وهل أنت تخفين شيئا عني.»
فأوغلت هند في البكاء وهي تحاذر أن تسمع والدتها شهيقها حتى بللت كمها ولم تستطع التسلط على عواطفها فتحققت سعدى أن هندا قد وقعت في الشراك وأن قلبها في شاغل ولكنها لم تفقه لحقيقة الحال فحاولت استطلاع السر فقالت: «إذن أنت في شاغل عن ثعلبة.»
فظلت هند صامتة خجلا وقد سترت وجهها بكمها بين يديها.
فسكتت سعدى وأخذت تفكر في من عسى أن يكون ذلك الشاغل وخافت أن تلح على ابنتها بالسؤال فتزيدها خجلا فلا تعترف لها بالواقع.
فمضت بضع دقائق وهما صامتتان وأخيرا تظاهرت سعدى بالجد ونادت هند قائلة: «أما وقد ظهر منك ما ظهر فلم يعد ثم داع إلى الإخفاء فقد تحقق لدي أنك في شاغل ذي بال فأفصحي يا ابنتي وقولي ما في ضميرك فإني والدتك وأنت تعلمين حبي لك فإجعليني مكان سرك وإتخذيني صديقة لا والدة وأطلعيني على مكنونات قلبك فنحن الآن في خلوة لا يرانا أحد وقد قضيت أياما أفكر في ما غيرك وقبض نفسك وأنت تخفين عنى حقيقة حالك. أما ابن عمك ثعلبة فإنه لن ينال منك شعرة وأنا أعلم الناس به وهبي أن والدك رضي به فأنا لا أرضاه لك.»
ثم همت بها وضمتها إلى صدرها وقبلتها وهند تبالغ في تغطية وجهها حياء فقالت لها سعدى: «أفصحي يا ابنتي وأخبرينى فقد نفد صبري قولي ما في نفسك فإني معينة لك على مرادك.»
فلما سمعت هند كلام والدتها رفعت رأسها من بين يديها فنظرت إلى والدتها بعينين قد أذبلتهما الدموع وغيرهما الهيام وحاولت الكلام فمنعها الحياء فأعادت وجهها إلى ما بين يديها وألقت نفسها على صدر والدتها وقد أخذ الهيام منها مأخذا عظيما.
فرفعت سعدى رأس هند بين ذراعيها وقالت: «قولي يا ولداه لا تخافي فإننا في خلوة لا يرانا أحد هل تحبين أحدا.»
فتنهدت هند تنهدا عميقا ولم تجب فإتخذت والدتها التنهد جوابا شافيا فقالت: «ومن ذا الذي تمكن حبه منك حتى تسلط على قلبك ونحن نحسبك أثبت جأشا من الرجال وما عهدي بك مسترسلة لعواطفك إلى هذا الحد.»
فأطرقت هند وقالت: «لا بأس بي ولا أنا أحب أحدا ولكنني أحب التخلص من هذا العالم فإني تعيسة قد كتب علي العذاب من يوم ولدت.» قالت ذلك وعادت إلى البكاء.
صفحه نامشخص