عرف أنه الحرف الأول من اسم الإمبراطور هرقل والثاني لم يعرف تفسيره ولكنه الحرف الأول من اسم الفرقة التي ينتمى إليها الجنديان ولكن هذه العلامة قلما كان يتقلدها غير الخيالة منهم وكان مع الجنديين رجلان من جند ثعلبة بلباسهما العربي فأشاروا إلى عبد الله فتقدم وصعدوا به إلى طابق علوي في القلعة حتى وصلوا قاعة مفروشة بأحسن الأثاث الروماني وفى صدرها عظيم روماني علم من لباسه ومقعده أنه رئيس الحامية الرومانية كان جالسا في صدر القاعة على كرسي مذهب يصعد إليه بدرجتين متشحا بقميص مدرع بحراشف من نحاس محلاة بالذهب تحته ثوب ضيق لا يتجاوز الساقين إلا قليلا وكان ضخما كثير العضل والدهن وشاهد بين يديه رجالا أكثرهم في مثل لباسه وهم أهل مجلسه من الروم إلا رجلا جالسا بالقرب منه عليه لباس العرب عرف أنه ثعلبة بن الحارث فتحقق عبد الله أنهم يسوقونه إلى قائد جند الروم ببصرى فدخلوا به إليه فوقف متأدبا وهو موثق فخاطبه القائد وكان اسمه رومانوس بواسطة الترجمان قائلا: «ما اسمك.»
قال: «عبد الله.»
قال: «من أي البلاد أنت»
قال: «من العراق.» «وما هي مهنتك» «أني من أمراء العراق أعيش من ريع أملاكي أو أتجر ببعض أصناف التجارة.» «وما الذي جاء بك إلى هذه الديار» «جئت لأفي نذرا نذرته لدير بحيراء.» «وما هو نذرك» «أن أقص شعر ولدي في العشرين من عمره.»
فإلتفت رومانوس إلى ثعلبة وتخاطبا سرا ثم نظر ثعلبة إلى عبد الله واستقدمه حتى دنا منه فقال له: «كيف تدعى أنك جئت لقص شعر ابنك وأنت مقيم هنا منذ أشهر ولم تقصه.»
قال: «لأني نذرت أن لا أقصه إلا في يوم أحد الشعانين القادم.»
فضحك استخفافا بتلك الحجة وقال: «تلك حجج واهية لا ترد عنكم تهمة فأنتم جواسيس من قبل ملوك الحيرة ولولا ذلك ما أقمتم في قرية بعيدة وتسترتم عنا وحاولتم إخفاء أمركم فمن كان في مثل ما أنتم فيه من اليسار لا يترك مدينة بصرى بمنتزهاتها وشوارعها ومراسحها وملاعبها ويقيم في قرية حقيرة مثل قرية غسام فاعترف بالحقيقة لئلا يزداد العقاب عليك.»
قال: «قد قلت لكم الصدق كل الصدق.»
فقال: «ليس للصدق نصيب من مقالك وزد على ذلك أنكم تدعون بالانتساب إلى أمراء العراق وقد أمسكنا غلامك أمس بسرقة.»
فلم يفهم عبد الله معنى هذا القول وظنه يقوله ليستطلع شيئا جديدا عنه فقال: «لعلكم أسأتم الفهم فإننا لا نعرف مثل هذه الأعمال ولدينا من نعم الله ما يكفينا مؤونة السرقة أو غيرها.»
صفحه نامشخص