فوقف حماد وقال: «هذا قصرك فسيرى إليه فإني عائد إلى منزلي.»
فقالت: «أخاف عليك ذلك الخائن وأخشى أن يكون كامنا برجاله في بعض المكامن والليل بهيم فربما أراد بك سوءا.»
فهز رأسه استخفافا وقال: «ذريه وكل جند أبيه ولا تخافي علي بأسا بإذن الله فألحت عليه أن يدخل القصر بحيلة الضيافة منفردا.» فقال: «إنك لتزيدينني رغبة في المسير منفردا وإني لأستحيي من نفسي أن أخاف ابن الحارث ورجاله ولو كانوا ألوفا.» فلما لم تجد سبيلا إلى إقناعه ودعته فقبض على يدها وضغط عليها وجددا الوعد وعدا طاهرا وقالت: «سر بحراسة المولى وكلاءته.» وسارت هي نحو القصر فلبث هو واقفا حتى تحقق دخولها الحديقة فتحول نحو منزله وهو على مسافة بعيدة عنه فوخز جواده وجد في المسير زميلا وقد ترك قلبه في صرح الغدير ونسي نفسه فلم يشعر إلا وهو في مكان لم يعرفه فأوقف جواده ونظر إلى ما حوله فإذا هو في أرض قفر لم يعهدها قبلا ففكر برهة لعله يفقه أين هو فلم يستطع فنظر إلى النجوم وأبراجها وكان خبيرا بعلم الفلك فرأى أنه أخطأ الطريق وإن منزله في جهة غير التي كان سائرا فيها فشكر علم الفلك لأنه كان وسيلة في اهدائه إلى سواء السبيل وحول عنان جواده نحو الجهة التي ظن أنها تؤديه إلى منزله حتى وصل إلى البساتين والمغارس.
وفيما هو سائر زميلا بين الأشجار والطريق كثيرة الحصى إذ سمع وقع حوافر جواد مسرع نحوه فأصاخ بسمعه وأحدق بعينيه لجهة الصوت فإذا به يقترب نحوه فأمسك بعنان جواده حتى مشي خببا ينظر إلى جهة الصوت والظلام حالك فإذا بالفارس يدنو منه ثم سمع صوتا يناديه: «حماد.» فعرف أنه صوت أحد خدمته فأجابه: «سلمان» وهو اسم ذلك الخادم قال: «نعم يا سيدي قف عندك» فوقف حتى تقابلا فقال حماد: «ما الذي جاء بك الآن.»
قال: «أدر عنان جوادك واتبعنى لأخبرك الخبر.» وأسرع فتبعه وسارا اهجاما وهما لا يتكلمان وقد انشغل بال حماد لذلك حتى بعدا عن مساكن الناس وانفردا في الصحراء فأمسكا عنانى الفرسين فقال حماد: «قل يا سلمان ما سبب هذا العدو وما الذي جئت من أجله.»
قال: «جئت بأمر من سيدي والدك أن تفر من غسام إلى عمان.»
قال: «ولماذا؟» قال: «لأن صاحب بصرى بعث شرذمة من رجاله فقبض على سيدي والدك واستولى على كل ما في البيت.»
فبغت حماد وقد علم السبب ولكنه تجاهل وقال: «ولماذا فعلوا ذلك.»
قال: «زعموا أنه جاسوس من ملك العراق فساقوه مجبورا إلى بصرى وسمعت الرجال يسألون عنك في بادئ الرأي فلما لم يروك قبضوا على سيدي والدك ونهبوا المنزل ولم يغادروا شيئا فأسر إلي والدك أن أقتفي أثرك وأفر بك إلى عمان ننتظره هناك شهرا فإن أبطأ علينا بحثنا عنه في بصرى.»
قال: «وهل أصابوه بسوء.»
صفحه نامشخص