قال: «حسنا تفعل». فأخذ حماد يعد جواده للركوب.
الفصل الحادي والسبعون
البرد والخاتم
أما هند فلم يأت يوم الشعانين حتى ملت الانتظار وكانت تتوقع أن ترى حمادا في مساء ذلك اليوم أو في صباح الغد فمضى اليوم والغد وهي تعد الساعات والدقائق وتحسب لتأخره غير حساب فلما كان اليوم الثالث أفاقت من رقادها قلقة البال فنهضت وسارت إلى غرفة والدتها والتمست منها أن ترافقها إلى دير بحيراء أو تأذن لها بالذهاب إليه وحدها.
فقالت سعدى: «لا أرى أن نفعل ولا أن تفعلي فلو رأى حماد المجيء إلينا لجاء فربما كان في سر والده ما يمنعه عن المجيء».
قالت: «ما تعنين يا أماه».
قالت: «لا أعني شيئا ولكنني لم يعجبني أمر والده هذا فكم تدلل وتعزز فقد صاهرنا ولده على غموض نسبه وأكرمناه والتمسنا لقياه فلم يأت وها قد انقضى موعده من يوم الشعانين فلا أظن إلا في الأمر دخيلة».
فانقبضت نفس هند عند ذلك وقالت: «لا تلومي الغائب قبل حضوره فربما منعه عن زيارتنا مرض أو شاغل ذو بال وأما ما أشرت إليه من تدلل والده أو كبريائه فلا أظنه في محله وليس ثم ما يسوغ له ذلك».
وسكتتا هنيهة مطرقتين ثم قالت سعدى: «نعم يجب علينا أن نبحث عنه وعن سبب غيابه فلننتظر هذا اليوم أيضا فإذا لم يأت أنفذنا إليه رسولا».
فخرجت هند وهي هاجسه في أمر حماد فلبست ثوبها وخرجت إلى الحديقة تشغل نفسها بأزهار الربيع وعيناها شائعتان من بين الأشجار وقد هب عليها النسيم فتعاظم حفيف الأوراق وعلت أصوات الطيور مغردة وهند تود انقطاع النسيم وخرس الأطيار مخافة أن تحول تلك الضوضاء بينها وبين وقع أقدام حماد إذا جاءها ماشيا بين الأشجار أو تخفي صوت جواده إذا صهل عند استقبال الصرح. وفيما هي جالسة على حجر هناك تفكر في ذلك وتحدق بعينها وتصيخ بسمعها وقد صارت الشمس في الهاجرة رأت فارسا قادما عن بعد عرفته من جواده وظاهر لباسه أنه حماد فهرولت إلى والدتها وأنبأتها بقدومه فدخلتا إلى قاعة الجلوس حتى جاءها مخبر بقدومه فخرجت سعدى للقائه ورحبت به فقبل يدها ودخلا الصرح وكانت هند عند الباب فسلم عليها ودخلوا جميعا إلى قاعة الجلوس وقد آنست هند في وجه حماد تغييرا بعد قص الشعر ولكنها عجبت لمجيئه وحده وأرادت الاستفهام عن السبب فمنعها الحياء على أن والدتها ابتدرته بالسؤال عن والده.
صفحه نامشخص