فأدرك عبد الله حاله تماما ولم يشأ أن يشط عزيمته ولا أن يزيد قلقه خوفا عليه من اليأس فقال له: «أرى سيدي في اهتمام وقلق وما في الأمر ما يدعو إلى ذلك ولا نحن في سرعة أو ضجر».
فظل حماد صامتا مفكرا فأدرك سلمان أن في نفس حماد كلاما ربما لا يريد التصريح به على مسمع منه فتظاهر بأمر يهمه خارجا وترك الغرفة فلما خلا عبد الله وحماد قال عبد الله: «ما بال سيدي لا يبيح بسره ألست شريكك في أمرك».
قال: «بلى بل أنت بمنزلة والدي ولا أخفي عنك شيئا فاني في قلق وارتباك واراني في حاجة إلى من يفرج كربتي برأي أو مشورة ومسألتنا في ما تعلم من الدقة والخطر».
فقال عبد الله: «هلم بنا إلى الراهب الشيخ الذي شاركناه في سرنا لعله يشير علينا بما يفرج كربتنا».
قال: «هلم بنا إليه».
وخرجا حتى أتيا غرفته فدخلا عليه وكان متكئا فجلس ورحب بهما فجلسا ثم قال عبد الله: انك يا مولاي شريكنا في سرنا وعالم بما في ضميرنا فهل تشير علينا بما يخفف عنا.
فقال الراهب: «إن المسألة في غاية الدقة والمشقة وقد أدركت عظمها منذ سمعتها ولا أدري بماذا أشير». قال ذلك وسكت برهة يفكر ثم هب من مجلسه بغتة وقال أرى أن تذهبا إلى ناسك حوران فأنه يقيم في كهف على مقربة من هذا المكان فعساه أن يشير عليكما مشورة خير.
فبغت حماد عند سماعه اسم الناسك وقال: «هل تظنه قادرا على ذلك».
قال: «نعم يا سيدي أنه ممن أوتي علما وكرامة فلا تخلو مشورته من فائدة».
فقال عبد الله لحماد: «وهل عرفته قبل الآن».
صفحه نامشخص