فقالت: «لو عرفت قلبي ما سببت لي هذا الشقاء لأني أعرف حنوك».
قالت: «كيف لا أعرف قلبك يا ولداه وقد كشفت لي غوامض أسراره».
قالت: «إذا عرفت حاله ولم تشفقي عليه فلا بأس سامحك الله وسامح والدي و ...» وشرقت بدموعها.
فابتدرتها سعدى وأظهرت الاستغراب قائلة كيف تقولين ذلك يا هند كيف لم نشفق على قلبك وكل ما حصل إنما حصل بمصادقتك ورضاك لما فيه من الفخر لك.
فهزت هند رأسها وهمت بالجواب ثم سكتت فاتمت والدتها الكلام قائلة ومع ذلك فإن الأحوال قد تغيرت بموت الحارث وإذلال ثعلبة فسواء جاء حماد بالقرطين أم جاء بدونهما فليس ثم من يقف في سبيله.
فلما سمعت اسم ثعلبة ارتعشت جوارحها فقالت: «آه يا أماه لقد قضي الأمر.. أين حماد الآن ... آه أين هو. هل تعلمين أين هو وقد انقضى العام منذ سار من هذا المكان ولم نسمع عنه شيئا». ثم حولت وجهها نحو النافذة وقالت وهي تبكي: «آه يا حماد آه يا حماد سامح الله من كان سببا في بعادك ... إبكي يا أماه على هند ابكيها وارثيها ولا يتعب ضميرك أو تندمي على ما حدث لي وله على يدك ويد والدي إنما هي الأقدار قد كتبت علينا هذا الشقاء». ثم قالت وقد غلب عليها الشهيق وعلا صوتها: «آه يا حماد حبيبي أين أنت الآن ألعلك على الأرض أم في السماء أم أين أنت من يخبرني بمكانك لكي أطير إليك فإما أن أعيش بقربك أو أن أدفن تحت قدميك فقد كفاني ما سببته لك من الشقاء وما جزاء عملي هذا غير الموت. الموت الموت!..».
قالت ذلك ورمت بنفسها على السرير ووالدتها لا تزال ممسكة بيدها تحاول تلطيف ما بها فلما ألقت نفسها خافت سعدى أن يغمى عليها فبادرت إلى الماء لترشها به وأمسكتها بيدها وجعلت تخاطبها وقلبها يتقطع ولولا اشتغالها بتعزيتها لكانت هي المغمى عليها لا محالة ولكن اشتغال الإنسان بمن يحبه ينسيه نفسه. فهمت بها وخاطبتها فتحققت أنها لم يغم عليها فحاولت إجلاسها وجعلت تقبلها وهند مشتغلة بالبكاء والشهيق ويداها على وجهها.
فرأت سعدى أن تتركها هنيهة ريثما يهدأ روعها فلبثت صامتة مطرقة تفكر في أمرها حتى إذا آنست منها سكينة وهدوءا جاءت بكأس من الماء وقدمته إليها لتشرب فشربت وهي مطرقة خجلا لما ظهر من عواطفها رغما عنها.
فابتدرتها والدتها قائلة: «خففي عنك يا ولداه فإنك مثال التعقل والرزانة عندنا فكيف أطلقت لنفسك العنان».
فظنت هند أنها توبخها فقالت: «كفاني توبيخا فقد علمت إني أتيت أمرا يعاب عليه أمثالي ولكن الكأس قد طفح والأمر نفد».
صفحه نامشخص