فإن لم يكن مباحًا بأن كان أكثر ماله حرامًا، أو فيه شبهة، كرهت الإجابة. وإن علم أن عين الطعام حرام، حرمت الإجابة. قال الزركشي وهذا يؤدي إلى سقوط الإجابة في هذا الزمان، لغلبة الشبهة انتهى. قال الحصني: فإن لم يكن مباحًا، كطعام المكثر والظلمة من أمراء الجور وقضاة الرشى وأتباعهم من فقهاء المزبلة، الذين يأكلون الأوقاف بغير استحقاق من عدم القيام بشروط الواقفين، أو كان في الوقف شيء يحتاج إلى العمارة، فأن كانت المدرسة ونحوها خراب، فهو أشد في التحريم، والأكل من ذلك من الكبائر لا خلاف في ذلك عند أحد، ومن استحله فهو كافر بلا خلاف، لأن تحريم ذلك مجمع عليه. وكذا المتصوفة الذين ليسوا بصفة القوم، أكلهم من الربط والزوايا حرام لا خلاف في ذلك، ولو أعطي أحد منهم مالًا ليتخذ به عدوة وهو على غير صفة القوم فهو حرام أيضًا لا خلاف فيه، صرح به الغزالي.
فمثل هؤلاء لا تجب إليهم، بل يجب الإنكار على من يحضر عندهم، وإن كان فقيهًا يشار إليه بالفضل والعلم. فأعرف ذلك واتبع الحق، فما بعده إلا الضلال، والله أعلم انتهى.
الشرط التاسع - عدم الأعذار المرخصة في ترك الجماعة.
قال العمراني في البيان: وما كان عذرًا في حضور الجماعة، كان عذرًا في الوليمة بل أولى، وهو يقتضي الامتناع بأكل ماله رائحة كريهة ونحوه، أو كان له عذر شرعي لكون المدعوين، وكذا شدة الحر والبرد إذا منع من تصرف غيره، والمطر الذي يبل الثوب، لا كثرة الزحام خلافًا لمالك. وقال في الاستقصاء: وعن دعي إلى وليمة وهو مريض أو قيم مريض، أو مشتغل بتجهيز ميت، أو طفي حريق، أو طلب حاجة، أو رد عبد آبق، أو جمل شارد أو فرس عاثر، أو ضائق على نفسه أو ماله، أو كان في حر شديد أو برد بريد، لم تجب الإجابة، كما لا يجب عليه السعي إلى الجمعة مع وجود ذلك. وإن دعي وهو شبعان أو متخم، أو كان به حياء أو انقباض، أو كان زِحام يرجو زواله، لم يكن له ترك الإجابة لما مضى انتهى.
الشرط العاشر - أن لا يكون تعيّن عليه حق كأداء الشهادة أو صلاة الجنازة.
وقال الماوردي إن كان المدعو عبدًا لزمه الإجابة إن أذن سيده، وإلا فلا، أو مكاتبًا لزمه الحضور إن لم يضر بكسبه وإلا فلا، إلا أن يأذن السيد. ففي لزومها بإذنه وجهان، والمحجور عليه لسفه كالرشيد.
الشرط الحادي عشر - أن لا يكون الداعي ظالمًا أو فاسقًا أو شريرًا أو متكلفًا طلبًا للمباهاة والفخر.
قاله في الإحياء، لما روى البيهقي في الشعب: عن عمران بن الحصين، أن النبي ﷺ نهى عن الإجابة لطعام الفاسقين. وفيه: عن أنس، أنّ النبي ﷺ قال: " إذا مُدِحَ الفاسق في الأرض، غضب الرب واهتز عرش الرحمن ". وأغرب ابن يونس في شرح التعجيز أن لا يكون من المبتدعة الغلاة.
الشرط الثاني عشر - إطلاق تصرف المولم.
فلا تجب إجابة المحجور عليه لسفه، وإن أذن وليه، لأنه مأمور بحفظ ماله لا بإتلافه. نعم لو أولم العبد بإذن السيد التحق بالحر، قاله الماوردي. وقال في الاستقصاء: ولا يجوز لمن دعاه عبد إلى طعام أن يحضر، إلا أن يأذن السيّد، وإن دعاه مكاتب إلى طعام فإن كان بغير إذن السيد لم يجز، وإن كان بإذنه ففيه وجهان، أحدهما يجوز، والثاني لا يجوز انتهى.
الشرط الثالث عشر - أن لا يكون المدعو قاضيًا.
فإنها لا تلزمه على الصحيح عند الشافعية، بل قال الرويّاني: الأولى في زماننا أن لا يجيب أحدًا لخبث الزمان. وقال الأذرعي: ويشبه أن يكون في معناه كل ذي ولاية عامة بالنسبة إلى رعيته. وقال ابن العماد: وينبغي للقاضي أن يسد عليه أبواب الهدايا والضيفات، ويقطع آمال الناس منه انتهى. وقال في المختار: ولا يقبل هدية أجنبي لم يهد له قبل القضاء، ولا يحضر دعوة إلا العامة.
الشرط الرابع عشر - أن لا يعارض الداعي غيره.
1 / 25