قال الحصني من أئمة الشافعية: فإن كان هناك منكر كشرب خمر، والملاهي المحرمة كفرش حرير ومخادّ متطرزة مزركشة، أو كانت الفرش مأخوذة بغير حق كأخذ بسط المساجد والمدارس ونحوه، أو آلات لهو كالأوتار كلها وكذا المزمار العراقي أو شبابة ودف، أو كان الحادي فاسقًا أو امرأة أو أمرد، أو النساء والرجال مختلطين وغير ذلك من المنكرات المحدثات، أو كان الذي يضرب بالدف وحده بلا شبابة ونحوها رجل كما صرح به الحليمي، فإن كان شيء من ذلك، نظر إن كان ممن إذا حضر رفع المنكر، فليحضر إجابة للدعوة وإزالة المنكر، وإلا حرم عليه الحضور، لأنه كالرضى بالمنكر وإقراره. وفي وجه يجوز له الحضور ولا يسمع وينكر بقلبه، كما لو كان في جوار داره منكر يفعل، فلا يلازمه التحول وإن بلغه الصوت، وفي التنبيه: فالأولى أن ينصرف، فإن قعد ولم يسمع واشتغل بالحديث والأكل جاز. قال النووي: وهذا الوجه خطأ وغلط، ولا يغتر بجلالة صاحب التنبيه ونحوه من ذكره من بعض العراقيين انتهى.
قال البلقيني: وإن لم يكن ممن إذا حضر رفع المنكر، حرم الحضور على ما صححه المراوزة وهو الأرجح، وعند غيرهم الأولى أن لا يحضر، وليس بخطأ، فظاهر النص يقتضيه انتهى. فعلى الصحيح لو لم يعلم بالمنكر حتى حضر، أو لم يوجد إلا وهو حاضر نهاهم، فإن لم ينتهوا خرج.
وفي جواز القعود وجهان، أصحهما التحريم، فإن تعذر عليه الخروج بأن كان في ليل وهو يخاف من الخروج جاز القعود مع إنكاره بقلبه، فأن استمع فهو عاص. وفي الحديث: " من أستمع إلى قينة صبه في إذنيه الآنك " والآنك ممدودًا هو الرصاص المزاب. فإن سمع من غير قصد لم يأثم.
من المنكر صور الحيوانات
ومن المنكر صور الحيوانات على الجدرانات والسقوف والثياب الحرير الملبوسة، كما يصنعه مخالفة الرجال من أبناء الدنيا، المعلونون على لسان النبوة من يشبههم بالنساء. ومن اعتقد حله بعد تعريفه بالتحريم فهو كافر، لأنه أعتقد حل ما جاء الشرع بتحريمه، فيستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه ويجب على من يحضر إنكاره على اللابس، ولا يسقط عنه الإنكار بحضور فقهاء السوء فأنهم مفسدون للشريعة، ولا بفقراء الرجس فإنهم جهلة تباع كل ناعق لا يهتدون بنور العلم ويميلون مع كل ريح انتهى كلام الحصني. وفيه أمور: أولها - أن محل هذه المسألة مقيد بالموضع الذي يجلسون فيه، دون غيره من موضع آخر في الدار. وصرح بمفهومه الجيلوي فقال: لو كان هناك منكر أو غير لائق به في موضع آخر في غير مجلسه لم يكن عذرًا، ويجوز حضوره. وكلام ابن الصباغ يشير إليه وكذا قال الماوردي: إذا لم يشاهد الملاهي لم يضره سماعها، كالتي بجوار داره.
الثاني - أن محلها أيضًا فمن يعقل أن ما يفعل منكر. أما من لا يعتقد إن ذلك منكر كما في النبيذ ما لم يسكر من غير لهو فلا ينكر، فإنه موضع اجتهاد. قال ابن كج. وقال النووي: ولو كانوا يشربون النبيذ المختلف في إباحته لم ينكره، لأنه مجتهد فيه، فإن كان حاضرا ممن يعتقد تحريمه فكالمجمع على تحريمه، وقيل لا، انتهى. لكن قال الشيخ تقي الدين السبكي: الصواب عندي إنه ينكره بقلبه لضعف دليل إباحته، ولذلك حد الشافعي شاربه، وأي إنكار أعظم من الحد، انتهى. قلت: ولعل الشافعي إنما حد من سكر منه مع اللهو، فإنه حينئذ حرام والله أعلم.
الثالث - أن قوله كفرش حرير هذا ليس من المنكر الذي يجب إنكاره، فقد قال أبو حنيفة وبعض أصحاب الشافعي بإباحة افتراشه مطلقًا، ومقتضى قولهم في كتاب السير إنه لا ينكر إلا على من يعتقد تحريمه.
وقد أجيب عنه من وجهين " أحدهما ": إن المراد بالمنكر هنا ما يمنع معتقد التحريم الحضور لأجله، ويكون عذرًا في تخلفه، لا أنه ينكره على غيره. " وثانيهما ": إن الخلاف إنما يراعى إذا لم يخالف سُنة صحيحة، والسُنة قد صحت بالنهي عن الافتراش كما في صحيح البخاري، فلا عبره بخلاف يصادم النص، بل إنكار هذا أولى من إنكار النبيذ المختلف فيه، وانتهى كلام المجيب.
وفي ادعائه إن الخلاف مصادم للنص نظر فليتأمل، وهذا في دعوة اتخذت للرجال أما دعوة النساء خاصة فلا منكر، فإنه يجوز لهن افتراش الحرير على الأصح عند الشافعية.
ستر الجدران واستعمال الحرير
1 / 22