لا يمكن لفرد واحد إدراك كل العلوم
وبين أيضًا أن هذا االغرض إنما يتم لنا في الموجودات بتداول الفحص عنها واحدًا
بعد واحد، وأن يستعين في ذلك المتأخر بالمتقدم، على مثال ما عرض في علوم التعاليم. فإنه لو فرضنا صناعة الهندسة في وقتنا هذا معدومة، وكذلك صناعة علم الهيئة، ورام أنسأن واحد من تلقاء نفسه أن يدرك مقادير الأجرام السماوية وأشكالها وأبعاد بعضها عن بعض، لما أمكنه ذلك. مثل أن يعرف قدر الشمس من الأرض، وغير ذلك من مقادير الكواكب، ولوكأن أذكى الناس طبعًا إلا بوحي أو شيء يشبه الوحي. بل لو قيل له أن الشمس أعظم من الأرض بنحو، مائة وخمسين ضعفًا، أو ستين، لعد هذا القول جنونًا من قائله. وهذا شيء قد قام عليه البرهان في علم الهيئة قيامًا لا يشك فيه من هو من أصحاب ذلك العلم.
وأما الذي أحوج في هذا إلى التمثيل بصناعة التعاليم، فهذه صناعة أصول الفقه. والفقه نفسه لم يكمل النظر فيما إلا في زمن طويل. ولو رام أنسأن اليوم من تلقاء نفسه أن يقف على جميع الحجج التي استنبطها النظار من أهل المذاهب في مسائل الخلاف التي وقعت المناظرة فيها بينهم في معظم بلاد الإسلام ما عدا المغرب -
1 / 27