فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
ژانرها
يتلخص هذا الفساد في أمور ثلاثة: الحكم المطلق، والأزمة المالية، وتغلغل نفوذ الأجانب في البلاد. أما عن الحكم المطلق فإن الخديو كان حاكما بأمره؛ مشيئته هي القانون وليس هناك من يحاسبه على فعل أو يراجعه في أمره، وليس ثمة من فرق بين خزانة الدولة وجيبه الخاص، ولقد ألف الخديو مجلسا من 75 عضوا سماه مجلس الشورى النواب، ولكن لم يكن لهذا المجلس سلطة ولا ظل من السلطة، وعلى الرغم مما أدخله هذا الخديو في مصر من ضروب الإصلاح في نواحي التعليم والزراعة والصناعة والمواصلات وغيرها، فإنه جر بسوء تصرفه في الاستدانة الخراب على البلاد، وبدل أن يجعل مصر قطعة من أوروبا كما كان يحب أن يقول، جعلها رهينة لأوروبا بما أغرقها من ديون. كل أولئك دون أن يستطيع أحد أن يرده عما يريد.
وأما عن الأزمة المالية، فمردها إلى إسراف الخديو في الاستدانة، حتى لقد بلغت الديون على مصر 91 مليونا من الجنيهات سنة 1875، ولقد أدت هذه الديون الباهظة إلى اشتداد وطأة الضرائب على الفلاحين، أولئك المساكين الذين كانوا كثيرا ما يفرون من أرضهم لكثرة ما كان يطلب منهم ولكثرة ما كانوا يذوقونه من عذاب، والذين كانت تفتك بهم الأمراض ويسلب أموالهم المرابون من الأجانب، بينما كان يتمتع كبار الملاك بما أنعم عليهم من ضياع أو «أبعديات» كانوا يسخرون الفلاحين في زراعتها.
وأما عن تغلغل نفوذ الأجانب في البلاد، فقد كان ذلك من أخطر نتائج تلك الاستدانة التي اشتط فيها إسماعيل. وأخذت فرنسا وإنجلترة تتنافسان في بسط نفوذهما في مصر منذ أن خرجت الحملة الفرنسية من البلاد، أما فرنسا فقد عملت على مصادقة محمد علي تعويضا لها عما ضاع عليها بسبب فشل حملتها، وأما إنجلترة فقد عملت على تحطيم قوته حتى تم لها ما أرادت.
وما برحت الدولتان ترقبان سير الحوادث في وادي النيل، وكان هم إنجلترة أن تحول دون ظهور دولة قوية في مصر، واكتفت بذلك أول الأمر، إلى أن فتحت قناة السويس 1869 فاتجهت سياستها إلى الاستيلاء على مصر كي تضمن سيطرتها على القناة.
ونصبت كل من الدولتين شباكها حين أخذ إسماعيل في الاستدانة، فلما غرقت مصر في الدين سنحت الفرصة لإنجلترة على الأخص للعمل على التدخل الفعلي في شئون البلاد توطئة للاستيلاء عليها.
طلب الخديو موظفا إنجليزيا يعينه على إصلاح الحال المالية، فتلكأت إنجلترة أول الأمر كي لا تفتح عيون غيرها، ثم أرسلت إلى مصر مستر كيف
cave
مزودا بأوامر، فعليه أن يحقق أسباب الأزمة ثم يرفع تقريرا إلى حكومته، وما لهذا أراده إسماعيل؛ فإن والي مصر لم يكن يطلب من هذا الموظف إلا أن يعينه على إصلاح مالية البلاد.
ورفع كيف التقرير إلى حكومته وأعلن دذرائيلي رئيس الوزارة البريطانية يومئذ في البرلمان، أنه لا يرغب في نشر التقرير؛ لأن الخديو رجا منه ألا يفعل ذلك. وما رجا الخديو منه ذلك. ولقد ذعر الدائنون من هذا التصريح وهبطت قيمة الأسهم في الأسواق، وتلقى الخديو هذه الصدمة بقوله: «لقد حفروا لي قبري».
ولم تستطع مصر أن تفلت بعد هذا من دائنيها، وأقيم في مصر ما عرف باسم «صندوق الدين العام» وهو إدارة لشئون الدين معظم موظفيها من الأجانب، ثم ما لبث الخديو أن قبل تعيين مراقبين أجنبيين أحدهما إنجليزي للدخل والآخر فرنسي للمنصرف، وعين لهذين موظفون من الأجانب بأجور ضخمة.
صفحه نامشخص