فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
ژانرها
وقفت مصر موقف البطولة والشرف في هذه العزلة الدولية، فقد عقد مجلس الوزراء برياسة الخديو وحضره درويش باشا. واضطر توفيق أن يجاري الوطنيين ريثما تحين له الفرصة كعادته في جميع مواقفه، وأرسلت مصر ردها التاريخي على الإنذار ونصه: «نحن هنا وفي بلادنا، ومن حقنا بل ومن واجبنا أن نصونها ضد كل عدو يبادئنا بالعدوان ... إن مصر المحافظة على حقوقها وعلى شرفها لا تستطيع أن تسلم أي مدفع أو أية قلعة مهما تكن إلا إذا اضطرتها الحرب؛ إن مصر لتحتج على إرسالكم إنذار اليوم، وتلقي مسئولية تعدي الأسطول وضرب الإسكندرية ونتائجه المباشرة وغير المباشرة على رأس الدولة التي تجرؤ في وسط هذا السلام الشامل على قذف القنبلة الأولى ضد الإسكندرية، تلك المدينة المسالمة، مستهترة بحقوق الأمم وقوانين الحرب».
وكان الخديو قد تدبر من قبل أين يقيم عند الضرب، فقد أرسل مستر كارتريت الذي ناب عن مالت برقية إلى حكومته يوم 7 يوليه جاء فيها: «أتشرف بإخبار فخامتكم أن الخديو استدعى السير أوكلند كلڨن هذا الصباح؛ ليدلي إليه بالطريق الذي يقترح سموه اتباعه في مواقف معينة تتصل بحركاته الشخصية، وفي حالة ضرب الإسكندرية بمدافع الأسطول البريطاني سيأوى سموه إلى قصر ترعة المحمودية حيث يرافقه درويش باشا، وكلما كان الفراغ من الأمر كله أسرع قل الخطر الذي يتعرض له شخصيا، وكانت لهجة سموه أثناء المقابلة هادئة، وكان يضبط نفسه واختتم حديثه بأن رجا من السير أوكلند كلڨن أن يطلع فخامتكم على ما اعتزم، وإني أقترح في حالة الضرب أن أخبر درويش باشا قبل إقلاعي، أن حكومة جلالة الملكة تلقي على عاتقه تبعة سلامة سموه الشخصية».
وتلقى في اليوم التالي ردا بموافقة حكومته على أن يلقي على عاتق درويش سلامة الخديو.
ضرب الإسكندرية
في الساعة السابعة من صباح ذلك اليوم المشؤوم 11 يوليه سنة 1882 أطلق الأدميرال الإنجليزي سيمور أولى قذائفه على مدينة الإسكندرية دون أي اعتداء منها؛ بحجة الدفاع العادل المشروع عن النفس! وذلك على مسمع من العالم المتمدن كله. وبدأ بذلك هذا العدوان الشنيع على مصر، وليس في العالم يومذاك دولة يتأثم ضميرها؛ مما تصبه إنجلترة على الحركة القومية الوطنية وعلى السلم والدستور في مصر.
وكان الأسطول البريطاني مكونا من ثماني مدرعات كبيرة وخمس مدفعيات، وسفينة للطوربيد وأخرى لأعمال الكشف، وكانت مدافع الأسطول سبعة وسبعين من النوع الضخم القوي من طراز أرمسترونج.
وكانت حصون الشاطئ تمتد من ناحية العجمي في الغرب إلى أبو قير في الشرق، وكان عددها نحو عشرين حصنا أو طابية، ويدخل في ذلك اثنان في داخل المدينة هما كوم الناضورة وكوم الدكة.
وإذا استثنينا الحصنين الأخيرين وهما من منشآت نابليون وقلعة قايتباي، وهي ترجع إلى القرن الخامس عشر، كانت بقية الحصون من منشآت محمد علي، وكانت مدافعها ويبلغ عددها تسعة وعشرين ومئتين قديمة الطراز ضعيفة، قريبة المرمى، إلا تسعة وأربعين منها كانت من طراز آرمسترونج.
ومما يحاول بعض المؤرخين إلصاقه بعرابي من المآخذ، أنه ترك حصون الإسكندرية ضعيفة فلم تستطع مقاومة السفن الإنجليزية، وينسى هؤلاء أنه ما دام أن الخديو كان في جانب الإنجليز والفرنسيين منذ حضرت سفن الدولتين، ومنذ قدمت المذكرة المشتركة لم يكن في وسع عرابي أن يعمل كما يحب. وماذا عسى أن يكون الحال إذا رفض الخديو؟ إن وزارة البارودي لم تستطع أن تنفذ حكم المجلس العسكري على الشراكسة؛ لأن الخديو عارض في ذلك. هذا إلى أن الأجانب كانوا لمصر بالمرصاد، وقد رأينا كيف أقام سيمور الدنيا وأقعدها؛ لأنه كما زعم رأى تحصينات في السواحل المصرية.
وكان طوبجية السواحل تحت قيادة إسماعيل بك صبري، ويقول عرابي في مذكراته: إنهم لم يكونوا يزيدون عن ستة مئة.
صفحه نامشخص