فصل في تاريخ الثورة العرابية
فصل في تاريخ الثورة العرابية
ژانرها
سوء سياسة الخديو وحكومته
كانت الشهور التي أعقبت حادث قصر النيل مليئة بكل ما من شأنه أن يخيف العسكريين والوطنيين، ولقد كانت سياسة توفيق من أهم العوامل في تطور الحوادث على النحو الذي سوف نراه، وهكذا تشاء الظروف النكدة أن يكون رجل كتوفيق هو الذي يدير دفة الأمور في ذلك الجو العاصف.
أجاب البارودي الضباط إلى كثير من مطالبهم المتعلقة بإصلاح الجيش فهدأت نفوسهم نوعا ما، ولكن الشائعات أخذت تحيط بهم عن نيات الخديو ورياض.
ومن ذلك ما نما إليهم من أن رياض يدبر مشاجرة بين الجند يندس فيها من يقتل عرابيا أو من يحضر من زميليه؛ ومنه ما علمه من تحريض بعض أعوان الخديو في الجيش على كتابة عرائض ضد عرابي وأنصاره، وما سمعوه من أن هؤلاء الأعوان يغرون بالمال والمناصب بعض رجال الألايات؛ ليكونوا في الوقت الموعود إلى جانب الخديو.
واتهم تسعة عشر ضابطا أحد رؤسائهم بأمور أثبت التحقيق بطلانها، فأبعدتهم الوزارة عن مناصبهم، فبادر الخديو بإعادتهم متحديا بذلك البارودي.
وترامى إلى عرابي وإخوانه أن الخديو يريد تشتيتهم ليقضي عليهم متفرقين، كما علموا أن الخديو يمرن حرسه على الرماية، وأنه يشهد ذلك بنفسه وينثر الذهب على المتفوقين. وأرادت الحكومة أن تسخر الجند في حفر الترع لإبعادهم فرفض عرابي وأيده البارودي في رفضه.
وحدث أن دهمت عربة لأجنبي في الإسكندرية أحد الجنود فقتلته، واستشاط تسعة من الجند غضبا وأملت عليهم سذاجتهم أن يحملوا القتيل إلى سراي رأس التين؛ ليشكوا إلى الخديو وقد اقتحموا الباب راجين أن يتدخل الخديو بنفسه لمعاقبة هذا الأوروبي. وكان ما عوقب به هؤلاء الجند على اقتحامهم السراي بالغ الصرامة؛ فقد عوقب الجندي الذي حرضهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وعوقب الباقون بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة بليمان الخرطوم.
لما ذاع النبأ في الجيش اشتد استياء الضباط والجند من فداحة الحكم، وكتب عبد العال حلمي إلى البارودي يقارن بين ما عومل به هؤلاء السذج وبين ما عومل به الضباط التسعة عشر، وأقره البارودي على رأيه فغضب الخديو غضبا شديدا.
ثم إن الخديو صرح أمام الوزراء أن البارودي هو سبب ما في الجيش من فوضى، فاستقال البارودي وعين الخديو مكانه صهره داود يكن.
واتبع داود منتهى الصرامة في معاملة رجال الجيش، فحظر عليهم الاجتماع بالمنازل أو التحدث في السياسة، ولكن أمراء الآلايات ردوا إليه هذه الأوامر قائلين: إنها مخالفة للقوانين العسكرية ومهينة للشرف العسكري.
صفحه نامشخص