[فضائل الأئمة الأربعة وما امتاز به كل إمام من الفضيلة]
/18أ/ وقال أيضا [شيخ الإسلام ابن تيمية] قدس الله روحه:
فصل
الأئمة الأربعة هم في أصول الفقه والدين على درجات:
فالشافعي في أصول الفقه أجود لها إجمالا وتفصيلا من مالك، وتمييزا بين الدليل وغير الدليل، وتقديم الراجح على المرجوح. وإن كان لمالك في ذلك من الكلمات الجامعة المجملة ما هي حسنة عظيمة القدر، ولكن الشافعي يفصل أصوله.
وأما أصول الدين والسنة والاعتقاد: فللشافعي فيها كلمات جامعة مجملة، ومالك أكثر تفصيلا لها وبيانا وردا على أهل الأهواء وتفصيلا للكلام من الشافعي كما تشهد بذلك نصوصه.
والإمام أحمد هو مفصل للكلام في أصول الدين /18ب/ والفقه تفصيلا جيدا، موافقا [له] في عامة أصول الفقه، وكان يقول [عن الشافعي]: حديث صحيح ورأي صحيح. وعن مالك: حديث صحيح ورأي صحيح (¬1). مع ما في أصول فقهه من نوع اضطراب.
صفحه ۱۰
وأما أهل الرأي: فهم وإن كان لهم جمل من الكلام في ذلك، فليس لهم قواعد محررة لا في أصول دين ولا في أصول فقه. ولهذا كان المتبعون لهم فيهم من جميع أهل الأهواء؛ من المعتزلة والمرجئة والجهمية والمجسمة والخارجين والمطيعين.
بخلاف أصحاب الشافعي، فإن البدع فيهم أقل بكثير جدا، والغالب عليهم بعدهم عن هذه البدع الكبار، وإن انتسب إلى الشافعي أفراد من المعتزلة والجهمية والرافضة فذلك قليل موجود أيضا.
وأما أصحاب مالك [ف]أكثر بعدا من أهل الأهواء، وهي فيهم أقل؛ لأن كلامه في أصول الدين على وجه التفصيل أكثر من كلام الشافعي، فلذلك قلوا في أصحابه.
وهم في أصحاب أحمد أقل من الجميع، وما فيهم من البدع فهو أخف من بدع غيرهم؛ لأن كلام أحمد في أصول الدين والفقه وبيانه لذلك بالكتاب والسنة وآثار الصحابة أكثر من غيره.
صفحه ۱۱
ومن أن أتباع كل إمام هم إلى نصوصه أقرب وعن مخالفتها أبعد، بخلاف ما لم ينص عنه فإن كلا منهم ينفرد فيه برأيه ويتابع غير إمامه (¬1).
ولهذا أكثر أهل الأهواء في المنتسبين إلى أهل الكوفة؛ لقلة نصوصهم المفصلة في ذلك. لكن اعتاضوا عن ذلك بما وضعوه من الفروع المولدة، فإنهم ولدوا من تفريع الحوادث ما لم يفرعه غيرهم، ولهذا قال الشافعي: من أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة (¬2). في تفريع المسائل لا في معرفة الدلائل. وهذا الذي بين مالك والشافعي من يرجح هذا من وجه، ومن يرجح هذا من وجه في الأصلين كما بينهما في الفقه.
والشافعي اتبع النصوص المفصلة لا يخالف حديثا صحيحا عمدا قط، بخلاف مالك في هذا الباب. لكن مالك ضبط من فرائد الشريعة ومقاصدها ما لم يضبطه الشافعي من السياسات والمعاملات ورعاية المقاصد والنيات، وهذا أشبه بأصول الدين، كما أن الأحاديث المفصلة أشبه بأصول الفقه.
صفحه ۱۲
وهؤلاء أقرب من الكوفيين في هذين الأصلين، فإن الكوفيين أكثر مخالفة للنصوص، لا يوجد في مذهب من المذاهب أكثر مخالفة لها منهم.
والإمام أحمد موافق للشافعي من حيث الجملة في متابعة الحديث، ولمالك في رعاية المقاصد والنيات وقواعد الشريعة. لكن قد يحصل من مالك في بعض المواضع تفصيل لا يوجد مثله في كلام أحمد، وإن كانت أصول أحمد توافقه. وأصول الفقه تنبئ أنه تعلمها من الشافعي، كما تعلم الشافعي منه الأصول المفصلة، وهي الأحاديث الصحاح الدالة على مسائل الفقه. (¬1)
/19ب/ فصل
وأهل البدع في غير الحنبلية أكثر منهم في الحنبلية بوجوه كثيرة؛ لأن نصوص الإمام أحمد في تفاصيل إثبات السنة، ونفي البدع أكثر من غيره بكثير.
صفحه ۱۳
/20أ/ فالمبتدعة المنتسبون إلى غيره، إذا كانوا جهمية أو قدرية أو شيعية أو مرجئة لم يكن ذلك مذهبا لأبي حنيفة، إلا في الإرجاء فإنه قول لبعضهم، وإما بعض التجهم، واختلف النقل عنه، ولذلك اختلف أصحابه المنتسبون إليه ما بين سنية وجهمية، ذكور وإناث، مشبهة ومجسمة؛ لأن أصوله لا تنفي البدع وإن لم يثبتها (¬1).
وفي الحنبلية أيضا مبتدعة، وإن كانت البدعة في غيرهم أكثر، وبدعتهم غالبا في زيادة الإثبات في حق الله تعالى، وفي زيادة الإنكار على مخالفهم بالتكفير وغيره؛ لأن أحمد كان مثبتا لما جاءت به السنة، منكرا على من خالفها ، مصيبا في غالب الأمر، ومختلفا عنه في البعض، ومخالفا عنه في البعض. وأما بدعة غيرهم فقد تكون أشد من بدعة مبتدعهم في زيادة الإثبات والإنكار، وقد تكون في النفي وهو الأغلب
صفحه ۱۴
كالجهمية والقدرية والمرجئة والرافضة، وأما زيادة الإنكار من غيرهم على المخالف من تكفير وتفسيق فكثير.
والله أعلم. (¬1)
صفحه ۱۵