232

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

ژانرها

بين به النهي عن مجالسة من يتأذى به دينًا أو دنيا والترغيب فيمن ينتفع بمجالسته فيهما وجواز بيع المسك وطهارته.
قال الراغب: نبه بهذا الحديث على أن حق الإنسان أن يتحرى بغاية جهده مصاحبة الأخيار ومجالستهم فهي قد تجعل الشرير خيرًا كما أن صحبة الأشرار قد تجعل الخير شريرًا قال الحكماء: من صحب خيرًا أصاب بركته فجليس أولياء اللّه لا يشقى وإن كان كلبًا ككلب أهل الكهف ولهذا أوصت الحكماء الأحداث بالبعد عن مجالسة السفهاء، قال علي كرم اللّه وجهه: لا تصحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله، وقالوا: إياك ومجالسة الأشرار فإن طبعك يسرق منهم وأنت لا تدري وليس إعداء الجليس جليسة بمقاله وفعاله فقط بل بالنظر إليه والنظر في الصور يورث في النفوس أخلاقًا مناسبة لخلق المنظور إليه فإن من دامت رؤيته للمسرور سر أو للمحزون حزن وليس ذلك في الإنسان فقط بل في الحيوان والنبات فالحمل الصعب يصير ذلولًا بمقاربة الجمل الذلول والذلول قد ينقلب صعبًا بمقارنة الصعاب والريحانة الغضة تذبل بمجاورة الذابلة ولهذا يلتقط أهل الفلاحة الرمم عن الزرع لئلا تفسدها ومن المشاهد أن الماء والهواء يفسدان بمجاورة الجيفة فما الظن بالنفوس البشرية التي موضعها لقبول صور الأشياء خيرها وشرها؟ فقد قيل سمي الإنس لأنه يأنس بما يراه خيرًا أو شرًا.
(حديث أبي هريرة في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ﷺ قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يُخالل.
(حديث أبي سعيد في صحيحي أبي داوود والترمذي) أن النبي ﷺ قال تصاحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي.
[*] قال الإمام المناوي رحمه الله تعالى في فيض القدير.
[لا تصاحب إلا مؤمنًا]: وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة، ومن ثم قيل صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر كالريح إذا مرت على النتن حملت نتنًا، وإذا مرت على الطيب حملت طيبًا.

1 / 231