145

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

ژانرها

تجمعون مالا تأكلون، وتبنون مالا تسكنون، وترجون مالا تبلغون، قد كانت القرون من قبلكم يجمعون فيوعون، ويؤملون فيطيلون، ويبنون فيوثقون، فأصبح جمعهم بورا، وأملهم غرورا، وبيوتهم قبورا أولئك قوم عاد، ملئوا ما بين عدن إلى عمان أموالا وأولادا.
ثم ابتسم بسخرية لافحة: من يشتري مني تركة أل عاد بدرهمين؟!
[*] وعن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يومًا من عند معاوية ثمانون ألفًا، فما أمسى عندها درهم، قالت لها جاريتها: فهلا اشتريت لنا منه لحمًا بدرهم؟ قالت: لو ذكرتني لفعلت.
[*] قال ابن مسعود ﵁: الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا علم له.
وقال أيضًا: ركعتين من زاهد قلبه خير له وأحب إلى الله من عبادة المتعبدين المجتهدين إلى آخر الدهر أبدًا سرمدًا.
وقال ابن مسعود لأصحابه: أنتم أكثر صلاة وصومًا وجهادًا من أصحاب محمد، وهم كانوا خيرًا منكم، قالوا: كيف ذلك؟ قال: كانوا أزهد منكم في
الدنيا وأرغب منكم في الآخرة.
[*] وقال عمر ﵁: الزهادة في الدنيا راحة القلب والجسد.
ولما قدم عمر ﵁ الشام تلقاه الجنود وعليه إزار وخفان وعمامة، وهو آخذ برأس راحلته يخوض الماء، فقالوا: يا أمير المؤمنين، يلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالتك هذه، فقال: (إنا قوم أعزنا الله بالإسلام، فلن نلتمس العز بغيره) ودخل رجل على أبي ذر ﵁ فجعل يقلب بصره في بيته، فقال يا أبا ذر: ما أرى في بيتك متاعًا، ولا أثاثًا، فقال: إن لنا بيتًا نوجه إليه صالح متاعنا وقال: إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه.
[*] وقال على ﵁: تزوجت فاطمة ومالي ولها فراش إلا جلد كبش، كنا ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح (البعير) بالنهار ومالي خادم غيرها، ولقد كانت تعجن، وإن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها.
وقال أيضًا: إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدًا حساب ولا عمل، وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:١٩٧]
[*] وكان عمرو بن العاص ﵁ يخطب بمصر ويقول: ما أبعد هديكم من
هدي نبيكم ﷺ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا وأما أنتم فأرغب الناس فيها.

1 / 144