لم يَكُ من شكلي ففارقتُهُ ... والقومُ أشكالٌ وأوصافُ
ومن اللطائف ما حكي أنَّ التِّيمور كان يحبّ السيد الجُرجُاني لفضله، وكان يبالغ في إكرامه حتى مال السيد إليه لما جُبِلتْ عليه القلوب من حُبِّ مَنْ أحسن إليها، فتذكر السيِّد يومًا في ميله إلى ذلك الرجل وصحبته له وتردُّده عليه فشرع يوبخ نفسه قائلًا: لولا مناسبة ومشاكلة فيكِ لهذا الرجل لما كان منكِ ميل إليه. ثم انقطع عن التردُّد إلى التيمور، فاستبطأه وأرسل يستحضره فلم يحضر، فذهب التيمور إليه مستخفيًا، فلما رآه قال له: سألتك بالله ما الذي قطعك عني؟ فأخبره السيِّد بواقعة الحال،
فلما أتمَّ كلامه قال: سبحان الله كيف خفيت عليك المناسبة بيني وبينكَ إلى هذا الوقت، أتريد مناسبة أحسن من كوني وإيَّاكَ نحب أهل البيت، فعند ذلك انشرح صدر السيِّد لهذا المقال وكأنما نَشِط من عِقَال، وعاد إلى صحبته والتردُّد عليه (١).
وقال بعض الحكماء: الحب داء وسواسي لا يعرض إلاَّ للقلوب الفارغة. وقيل: الحبُّ عمى المحبّ عن إدراك عيوب المحبوب، أو عرض وسواسي يجلبه الِإنسان إلى نفسه بتسليط فكره على استحسان بعض الصور.
قلت: وعليه قول المجنون (٢): [من الطويل]
أتاني هَواهَا قبلَ أنْ أعرفَ الهوى ... فصادفَ قلبًا خاليًا فتمكَّنا
_________
(١) المعروف عن تيمورلنك أنه كان من الظالمين الذين استباحوا دماء الناس، وأما محبته آل بيت النبي ﷺ وعلى آله فلن تنفعه مع ما فعله من إراقة الدماء. كما لا يتصور أن يميل الِإمام الجرجاني وهو من هو في علماء الإِسلام إلى هذا الظالم ويحبه ويقدمه.
(٢) ديوان مجنون ليلى ص ٢٨٢.
1 / 44