دخل أبو القاسم مع المغيث فحيتهما عائشة في سرور وابتهاج، وصاحت: أعلمتما الخبر؟ لقد فتحنا الأندلس!
فقال لها المغيث مداعبا: وعلمنا قبل ذلك أن فتاة تدعى عائشة المخزومية غزت القلوب، جلست فوق عروشها ملكة مطاعة!
فابتسمت عائشة وقالت: دع المزاح يا بن الحارث؛ فالأمر جد وما هو بالهزل. - هذا صحيح، وأظن طارقا الآن في طريقه إلى طليطلة. - يا له من فتح مبين! - لا يكون فتحا مبينا إلا إذا ذهب حبيبك فملك الجزيرة كلها، وعاد إليك بتاج ملكة القوط؛ ليزين به أجمل جبين أشرقت عليه الشمس.
فبسر وجه عائشة كأنها توجست شرا وقالت: تذهب إلى الأندلس غازيا؟ - نعم يا فتاتي، أذهب بعد أيام على رأس جيشي بأمر أمير المؤمنين.
فوثبت إليه تعانقه وتمسح بيدها على كتفه في رفق وتدليل وهي تقول: خذني معك يا مغيث، فإني لا أطيق أن يمر يوم واحد دون أن أراك.
فقال المغيث في استنكار: كيف أصحب فتاة لم أكن لها بعلا؟! - نعقد الزواج غدا، ونسير على بركة الله.
فقال في سخرية لاذعة: وماذا نقول للشاعر الذي يقول:
كتب القتل والقتال علينا
وعلى الغانيات جر الذيول؟ - نقول: إنه مغرور أحمق، جهل الرجال ولم يعرف بعض خلائق النساء. فليس كل رجل شجاعا، وليست كل غانية خائرة العزم مكسالا. ما هذه الأثرة أيها الرجال؟ كأن الله لم يخلق سواكم للمجد والبطولة. نعم، إن الله ميزكم علينا ببسط الجسم، وقوة العضل. ولكن قوة الروح وجرأة العزيمة أقوى من الحديد والنار. والعزيمة إذا تمكنت من المرأة وتغذت بعواطفها، ونهلت من غرائزها، خاضت الأهوال، وعصفت بكل ما أمامها من عقبات وصعاب. لقد زينت لكم كبرياؤكم أن المرأة لم تخلق إلا ليلهو بها الرجل في شبابها، ولتلهو هي بالمغزل في هرمها، فرحتم تتندرون بالنساء وبضعف النساء. لم لا تقود المرأة الصفوف، وتلاقي الحتوف، وتضرب في سبيل الله كما تضربون؟ إن الله فرض الجهاد على الرجل والمرأة معا، فدعونا نقاتل في سبيل الله، ودعونا نقاسمكم ثمرات المجد أو نفز بالشهادة إذا وارتنا القبور.
كان المغيث مطرقا واجما، فقد هاله ما سمع من فتاة بني أمية، وأبت عليه نفسه أن يطفئ هذه الشعلة، أو ينال من هذه الحماسة بسوء، فربت كتف عائشة وقال: لم تزيديني يقينا ببطولتك يا عائشة، ولن يزال الإسلام بخير ما زاحم النساء الرجال في ساحات المجد والجهاد.
صفحه نامشخص