السير حتى بلغ المدينة، فهبت لاستقباله والإشادة ببطولته. وكان ذكره حديث المجامع، ووصف فراره ملء الأفواه والمسامع. وسعى إلى داره سيف الدولة في جمع من رجاله وبينهم قرعويه، فمد إليه سيف الدولة ذراعيه ضاحكا باكيا، مثنيا على بطل العرب وصاعقة الروم.
وذهب أبو فراس للقاء نجلاء. وهنا نضع القلم عاجزين. فقد يفسد الكلام وصف ما لا يستطيعه الكلام. ومال أبو فراس على أذن نجلاء هامسا: الآن نستطيع الزواج يا حياتي، فإني أخشى ألا تطول حياتي . ففزعت نجلاء لهذا التطير، وعنفته في دعابة ودلال، غير أنه لم تمض إلا أيام حتى أقيمت معالم الأفراح، وتزوج زين الأمراء بأجمل بنات حواء.
الفصل العاشر
حزن قرعويه وسقط في يده وخاب أمله، وعاش أبو فراس مع زوجه نجلاء في أمن وسعادة، يرف فوقهما جناح الحب الهنيء! وكانت صوفيا تكثر الزيارة لهما، وتشاركهما في كثير من صنوف البهجة والسرور. وأقبلت أمه من منبج بعد طول الفرقة لتنعم بقرب ابنها البطل. وبعد سنة وضعت نجلاء طفلة بارعة الحسن، سمتها «فوزا» لأنها كانت تشعر حقا بحلاوة الفوز بحبيبها، بعد أن وقفت الحوائل طويلا بينهما.
وفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، زحف الروم إلى مدينة حلب نفسها، فاشتد الذعر والقلق، وقام أبو فراس يدعو إلى الغزو والجهاد ويصيح:
كيف يرجى الصلاح من أمر قوم
ضيعوا الحق فيه أي ضياع؟
فمطاع المقال غير سديد
وسديد المقال غير مطاع
ونهض مع سيف الدولة على رأس جيش قليل العدد لا يزيد على أربعة آلاف، وكان جيش الروم يبلغ الثمانين ألفا مجهزا بالعدد الحربية، وآلات التدمير، والنار اليونانية، والدبابات الهائلة، والتقى الجيشان بالقرب من «منبج». ووثب أبو فراس على أعدائه لا يهاب الموت ولا يرهب العدد العديد. وما زال يضرب باليمين وبالشمال طول يومه، حتى تحطم سيفه، وتمزقت درعه. ولما نفدت طاقته، وأصابه سهم في فخذه كاد يستنزف دمه، تكاثر عليه الروم فقبضوا عليه، بعد أن أعياهم قتاله. ونجا سيف الدولة بنفسه إلى بالس. وهي مدينة بين حلب والرقة على ضفة الفرات.
صفحه نامشخص