نده جاره يوسف زغنا: ولاه، يا يوسف، رح فتش لي على طربوشي. وقع عن راسي قرب بيدر كفر.
13
وبعد غيبة قصيرة رجع يوسف بذاك الطربوش الطويل العمر سالما. لقد أعطينا هذا الطربوش بطاقة هوية تظهر شكله، وأصله وفصله، في الفصل السابق. ومن أهم ميزاته: أنك تحسب دائرته مطينة بتربة رصاصية اللون، كالأوحال التي تخرج من بئر الخوري في تشرين قبل استقبال مياه الشتاء الجديدة التي تستقر في الصهريج ممزوجة بالحوارى.
وأقبول الموالون للمحترم والتفوا حوله يدعون له بالنصر وطول العمر؛ لأنه رفع رأسهم، وشال الزيز من البير، ودعس رقبة الآغا نصير خصومهم.
وأخيرا طل القمير، وصل قرياقوس وهو يهدج كالقنفذ، وأطلق صوته العريض وكركر في قهقهته القردية، فتطايرت شظاياها من زوايا البيت الأربع، فاستفز الآخرين الذين كانوا يسرقون الحديث ونووا على الشر.
وبعد التحيات الحارة وبث الأشواق في سهرة طويلة الذيول، شجونية الأحاديث، انصرف الناس من عند الخوري الزعيم، القليل الاحترام، فاندس في فراشه. وما هدأت الرجل وغفا حتى استيقظ على طقطقة حجارة، تسقط على القرميد كأنها تكركر في الضحك.
قعد في فراشه يتنصت ويرعد كالمقرور،
14
ولحيته ترقص بهدوء، ويداه ترتجفان بوقار، ثم وقف استعدادا للطوارئ منتصبا في منتصف الغرفة يتوقع نزول الكارثة. وانقطع الحس هنيهة، ثم توالى رشق الحجارة من الأربع جهات؛ فجمد الخوري في مكانه يفكر من أين المهرب، ولكن لا مفر من ذاك المضيق. الخروج خطر جدا لأن سلم الحارة ليس إلا خشبات مشكوكة بالحيط؛ فلينتظر إذن حتى يهاجموه في البيت، فيسلم من السقوط وتكبر الدعوى وتصير جناية ... أما قلنا إنه تعلم الشريعة! فهذا أوان العلم والشد، وليس لقضاء الله رد.
بيت قرياقوس بعيد، وهو في منحنى، يشرف عليه من موقع استراتيجي بيت طنوس فارس خصم الخوري مسرح وقرياقوس. كان جيران الخوري أعداء له، وهو غريب غير أديب، وليس له بينهم نصير، فإلى أين المفزع؟ إذن فليصبر حتى تحل الأمور بعضها. إلا أن الحل لم يكن في جانب الخوري، فهاهم يحاولون فتح الباب.
صفحه نامشخص