پروانه و تانک
الفراشة والدبابة وقصص أخرى: مختارات قصصية من الأعمال القصصية الكاملة لإرنست
ژانرها
واقترب منه أكثر فأكثر، ولم يستطع الآن أن يتحدث إليه، وحين أدرك أنه لا يستطيع الكلام اقترب منه أكثر، وحاول الآن أن يزيحه عنه دون أن يتحدث، ولكنه تحرك فجثم عليه حتى أصبح كل ثقله على صدره، وإذ هو جاثم عليه وهو لا يستطيع الحركة أو الكلام، سمع المرأة تقول: «السيد نائم الآن. احملوا المحفة برفق وأدخلوها إلى الخيمة.»
ولم يستطع أن يتكلم كي يقول لها أن تجعله يرحل عنه، وكان الآن جاثما بثقل أكبر حتى إنه يمنعه عن التنفس . وحينئذ، وحين كان الصبيان يرفعان المحفة، استقام الحال فجأة وانزاح العبء الذي كان جاثما فوق صدره.
كان الوقت نهارا، والصباح قد طلع منذ فترة، وسمع صوت الطائرة. وظهرت صغيرة جدا ثم دارت دورة عريضة وجرى الصبية وأوقدوا النيران، مستخدمين الكيروسين، كوموا الحشائش كعلامات حتى أصبح هناك صفان كبيران في كل ناحية من المكان الممهد، وأطارتها نسمة الصباح نحو المخيم. ودارت الطائرة دورتين أخريين، خفيضة هذه المرة، ثم انسابت هابطة واستقامت وهبطت في سلاسة. ثم ها هو «كومبتون» العجوز يأتي ماشيا تجاهه مرتديا بنطالا عليه سترة من التويد وقبعة بنية من اللباد.
قال «كومبتون»: ما الأمر أيها الديك العجوز؟
قال له: ساق معطوبة. هل لك في بعض الفطور؟ - شكرا. سأتناول بعض الشاي فحسب. لن أتمكن من اصطحاب السيدة. ليس هناك مكان إلا لشخص واحد. إن شاحنتك في الطريق.
وانتحت الزوجة ب «كومبتون» جانبا وطفقت تتحدث إليه. وعاد «كومبتون» وقد زاد انشراحه.
قال: سندخلك إليها على ما يرام. وسوف أعود لاصطحاب السيدة. والآن فإني أخشى أنه يتعين علينا الوقوف في «أروشا» للتزود بالوقود. يحسن بنا أن نسرع. - والشاي؟ - لا يهم.
ورفع الصبية المحفة وحملوها حول الخيمات الخضراء وعبر الصخرة، وخرجوا بها إلى السهل وعلى طول صفوف العلامات، التي كانت الآن تشتعل متوهجة وقد التهمت النار كل الحشائش، والهواء يروح عليها، إلى أن وصلوا إلى الطائرة الصغيرة. وكان من الصعب إدخاله إليها، ولكن ما إن دخل حتى اضطجع على المقعد الجلدي، وبرزت الساق المعطوبة من أحد جانبي المقعد حيث يجلس «كومبتون» وأدار «كومبتون» المحرك ودلف إلى مكانه. ولوح مودعا زوجته والصبية. وإذ تحول الضجيج إلى الزفير المعهود، مالا جانبا «وكومبتون» يراقب الحفر التي تحفرها الخنازير البرية في الأرض، وزأرت الطائرة وارتجت على طول الممر بين النيران وارتفعت مع آخر رجة. وشاهدهم جميعا يقفون أسفل منه ، يلوحون بأذرعتهم، والمخيم إلى جوار التل، منبسط الآن، في حين تمتد آثار الحيوانات الآن في سلاسة حتى المستنقعات الجافة، وكان ثمة حياة جديدة لم يرها أبدا من قبل . والآن ... ظهور الحمر الوحشية المستديرة الصغيرة، والتياتل، نقاطا كبيرة الرأس تبدو وكأنها تتسلق إذ هي تتحرك في خطوط طويلة تجاه السهل، تتفرق الآن إذ الظل يرتفع في اتجاههما، فهي صغيرة الآن، وحركتها ليس بها أي ركض، والسهل منبسط على مشارف البصر، رمادي أصفر الآن، وأمامه ظهر «كومبتون» العجوز التويدي والقبعة البنية اللبادية. ثم أشرفا على أول التلال والتياتل تنساب مصعدة فوقها، ثم حلقا فوق جبال ذات أعماق.
وحينئذ، بدلا من الذهاب تجاه «أروشا»، انحرفا يسارا، فاستنتج أن في الوقود بقية، ورأى حين نظر تحته سحابة وردية اللون مليئة بالثقوب، تتحرك فوق الأرض، وفي الهواء، كندف الثلج التي تنذر بعاصفة جليدية، تأتي من لا مكان، وعرف أنها جحافل الجراد الذي يأتي من الجنوب. ثم أخذا يصعدان ويتجهان نحو الشرق فيما يبدو، ثم أظلم الجو ودخلا في عاصفة، والمطر كثيف فكأنما يطيران فوق شلال، ثم خرجا منها وأدار «كومبتون» رأسه وابتسم وأشار بيده. وهناك، أمامه، كان كل ما يستطيع أن يرى عريضا عرض الدنيا بحالها، عظيما، سامقا، ناصع البياض في الشمس إلى درجة لا تصدق، القمة الرباعية لجبل «كليمنجارو». وحينئذ عرف أنه ذاهب إلى ذلك المكان. •••
وعند ذاك فحسب توقف الضبع عن الخوار في الليل، وبدأ يصدر صوتا غريبا بشريا يقترب من البكاء. وسمعته المرأة وتحركت في قلق. ولم تستيقظ. ورأت نفسها في الحلم في بيتها في «لونج آيلاند» بولاية نيويورك، في الليلة التي تسبق ظهور ابنتها على المسرح لأول مرة. وبطريقة ما، كان والدها حاضرا، وكان جافا جدا معها. ثم تعالى ضجيج الضبع إلى درجة أيقظتها، وللحظة لم تدر أين هي وانتابها خوف شديد، ثم تناولت البطارية وسلطت ضوءها على المحفة الأخرى التي أدخلوها إلى الخيمة بعد أن استغرق «هاري» في النوم. كان بوسعها أن ترى هيئته تحت حاجز الناموسية، ولكن ساقه كانت بارزة على نحو ما ومعلقة على طرف المحفة. وكانت الضمادات قد سقطت كلها ولم يكن باستطاعتها أن تنظر إليها.
صفحه نامشخص