فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرها
من تصفح الجرائد الفرنسوية الكبرى وغيرها وجد فيها فصلا مخصوصا ينشر في كل يوم اثنين في ذيل الجريدة لأحد النقدة المشهورين، وموضوعه نقد الروايات التي تمثل في خلال الأسبوع، ورب أحد هؤلاء النقدة تدفع له الجريدة أجرة للمقالات الأربع في الشهر راتبا يعدل راتب وزير. وقد كان سارسي؛ كبير النقادين في القرن التاسع عشر بعد سنت بوف، يكتب في جريدة الطان، وكان الممثلون والمؤلفون إذا رأوا في وجهه وهو في «لوجه» دلائل الاستياء، وعدم الرضى، ترتعد فرائصهم خوفا؛ لأنه كان على رأيه المعول.
فدرس كتابات هؤلاء النقدة وغيرهم من نقدة أوروبا من أهم واجبات كاتب الروايات؛ لأنه يستفيد من كتاباتهم نتيجة اختبارهم هذا الفن، واختبار مشاهير النقدة الذين تقدموهم فيه منذ نشأته. وقد كنا نقرأ نقد سارسي في الطان بلذة كبرى، فلما توفي أصبحنا نقرأ نقد المسيو أميل فاكه في جريدة الديبا، وهو من رجال الأكاديمي وأشهر النقدة الفرنسويين اليوم، على أن كتب النقد الروائي كثيرة في اللغة الفرنسوية لمن يطلبها، وهي أهم وأصح من الكتب غير الفرنسوية؛ لأن الفرنسويين ما زالوا متفردين في هذا الفن في أوروبا كلها. (6)
عاطفة الجمال: والشرط السادس والأخير من شروط وضع الروايات «التزام عاطفة الجمال فيها»؛ لأن تأثيرها وحلاوتها متوقفان على ذلك ، ويدخل في هذا أمران؛ الأول: جمال موضوعها، والثاني: جمال سبكها. أما جمال موضوعها فمتوقف على الإجادة في الصفات الخمس التي تقدم بسطها. وأما جمال سبكها فالمراد به نسجها بلفظ عذب، ومعنى طلي، وروح جلي، فيجد القارئ حين مطالعتها من الحلاوة والعذوبة ما يستأسر لبه. وإذا كان الجفاف والجمود في الإنشاء مما يغتفر في المباحث العلمية والتاريخية، لأن الغرض منها تقرير الحقائق، سواء كان لباسها من نضار أو كان عليها أطمار؛ فإن ذلك مما لا يقبل في الروايات أصلا؛ لأن العمدة في الروايات إنما هو على التأثير في نفس القارئ؛ لجذبه إلى مبادئها، وشرح صدره بحلاوتها. وهذا الجذب والتأثير لا يتمان إلا بعاطفة الجمال.
الروايات وأنفعها لنا
بسطنا رأينا في وظيفة الروايات والشروط اللازمة لواضعها، فلا نبحث هنا فيها، وإنما نبحث في أهم الروايات وأنفعها لنا. ومتى قلنا: أهم الروايات وأنفعها لنا، خرجت منها الروايات التي يقصد بها التفكه وقطع الوقت، وهي التي يتجر بها أصحاب المكاتب والمطابع الصغيرة، وانحصر كلامنا في الروايات التي يضعها مؤلفوها لفائدة يقصدونها. وبحثنا هنا في أمرين:
الأول:
ما هي الفائدة التي نحن أشد احتياجا إليها في الشرق؟
والثاني:
أي نوع من أنواع الروايات يوصلنا إلى هذه الفائدة؟
الأمر الأول:
صفحه نامشخص