فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
فرح أنطون: حياته – أدبه – مقتطفات من آثاره
ژانرها
وقبل السفر استدعى كلدن سكرتيره وقال له وهو يطوف معه بين أشجار الأرز: مستر كرنيجي، أما تعلمت شيئا من هذه الحادثة؟ فأجاب كرنيجي: تعلمت وجوب الرحمة، يا سر، للضعفاء الذين يسقطون في جهاد الحياة، وإلا لم يكن هنالك فرق بين البشر وبين الحيوانات، فقال: صدقت يا صديقي؛ إذا خصص في كل عام مليون فرنك لمساعدة العيال التي تسقط، واكتب لمحلنا أن يقرض مليون دولار لمحل خصمنا أرميس الذي أفلس من مزاحمتنا، ومليونا آخر لمحل «ودن» الذي خسر ثروته في احتكاراتنا؛ فإنني بعد الآن صرت أرى أن البشر لا يكونون بشرا إذا كانوا يصرفون كل ما أعطاهم الله من النباهة والعقل والقوة في مجاهدة بعضهم بعضا؛ ليستأثر أقوياؤهم بالمنافع والخيرات دون الضعفاء، ويدوسوهم كما يدوسون الحيوانات الدنيئة. •••
وفي المساء، ركب الجميع مسرورين قاصدين بيروت عن طريق بعلبك، وكان سليم وكليم وأمين جالسين على أكمة ينتظرونهم، فلما مروا بهم وشاهد أمين خصمه لوقا يحادث متى ويضاحكه، وإميليا تنظر إليهما وتبتسم مسرورة لتقلب الزمان، صار أمين يبكي ويقول: أين العدالة في العالم؟ فتنهد سليم وأجابه: العدالة يا صاح موجودة، ولكن المهم الجد والانتظار والثبات. ألم تنظر كيف انتصرت إميليا ولوقا بهذه الصفات؟ فلا تجدف على النواميس الأبدية، فإنه ليس بالإمكان أبدع مما كان، وكل ظلامة مهما كانت عظيمة تكشف عن صاحبها إذا تسلح بهذه الفضائل، فإن الله أعدل من أن يخذل الحق، وهو لنصرته لا يطلب من البشر غير الصبر والجد والانتظار.
فقال أمين متأوها: وما الحيلة بمن لا يستطيع الانتظار لأن أيامه محدودة؟
فأجابه سليم: هذا وهم يا صاح، وعلى افتراض صحته، فإن المظلوم يكون أقرب إلى الله في الآخرة مما لو أنصفه الله هنا.
فهز أمين رأسه وقال: كلام حلو للتعزية، كلام حلو للتعزية. (17) حب المجانين
لوقا يأكل الحصرم ومخلوف يضرس
وكانت الأكمة التي جلس عليها الرفاق الثلاثة قريبة من الكنيسة، وإذا هم يسمعون صراخا عظيما فيها، ففطنوا حينئذ إلى مخلوف الذي سجن فيها، فنهض سليم ليراه، ولكنه لم يخط خطوتين حتى كان مخلوف قد كسر الباب وخرج منها وعينه تستطير شرارا، فلما رأى سليما صاح به: أين متى حاروم ولوقا طمعون؟ فأجابه سليم: قد رحلا، فوثب مخلوف إذ ذاك راكضا إلى الطريق ليتبعهما، وإذا به يرى الدواب والأحمال أمامه؛ لأنها لم تكن قد بعدت بعد، فأطلق ساقيه للريح وراءها، فسار سليم وكليم وراءه أيضا، فوصل مخلوف إلى المسافرين وصار يقلب نظره فيهم، فلما وقع نظره على إميليا صاح صيحة دوت لها الجبال وانطرح على الأرض صارخا: لقد صدق سليم، عادت إميليا.
فضحك كلدن وقال: لم نخلص من الأسرار بعد. فأخبره متى حينئذ أنه شاب مجنون أنقذ في زمانه حياة إميليا، فمد كلدن يده إلى جيبه وأخرج منها ورقة بخمسمائة دولار، وأومأ بها إلى مخلوف قائلا: خذ هذا تذكارا من إميليا، فصاح به: ومن أنت؟ فقال كلدن ضاحكا: أنا زوجها.
فيا ليتك يا مستر كلدن لم تلفظ هذه الكلمة، فإن مخلوفا ازدوج جنونه حينئذ، فصار يضرب الأرض بيديه ورجليه ورأسه ويصيح: زوجها! زوجها! وأنا إذا من أنا؟ من أذنك أن تتزوجها؟ كيف تسلبني حقي ومالي؟ ها ها متى حاروم، ما شاء الله، ما شاء الله! ثياب جديدة وشعر مقصوص، وراكب على بغل، قه قه قه، بغل على بغل. لو لم تكن بغلا لما زوجت ابنتك هذا النغل وتركت رجلا مثلي، ولكن أظنكم تضحكون. إميليا، إميليا، أنسيت يعقوب؟
فقال كلدن لزوجته: مسز، سوقي جوادك إلى الأمام واتركينا.
صفحه نامشخص