افترض أن الفأر أدرك فعلا من خلال حدس ما طبيعة وضعه بالضبط، وقرر أنه يريد الخروج؛ كيف له أن يخرج من هذه المتاهة؟ بالنسبة لفأر عاش حياته بالكامل داخل متاهة، الحوائط ليست حوائط، الحوائط هي العالم، وما دام لا يراها كحوائط، قد لا يكون قادرا على القفز من فوقها أو تجاوزها إلى ما بعدها. ما الذي يفترض بفأر ولد في المتاهة أن يفعله إذن؟ ربما يحتاج بشكل مبدئي أن يرى الحوائط كحوائط.
8
افترض أن الفأر خرج من متاهته ليجد متاهة أخرى أكبر في انتظاره، هل يمكن فعلا الخروج من كل المتاهات؟ هل نرغب في الخروج من كل المتاهات؟
9
لا أقول هنا إن الحرية الفردية غير موجودة، أو إن الفرد مسير على الدوام، لكني أقول إننا قد لا نكون دائما أحرارا في اتخاذ قراراتنا التي نظن أننا نتخذها، قد تحكمنا حوائط غير مرئية، ووسائل تحكم لا نشعر بها. أحيانا يفيد ذلك في تسهيل سيرنا في الحياة، وأحيانا ما يكون مضرا للغاية، لكن ما دام لا يعي الفأر أنه في متاهة، قد يعيش فيها طوال حياته دون أن يدرك أنه عمليا لا يأخذ أي قرارات حقيقية. قد ينشأ الفرد منا، ويتزوج، ويربي الأولاد، ويموت، دون أن يأخذ أي موقف حقيقي، أو قرار مصيري، يكتشف أنه - كما يقول «إليوت» في مسرحيته «لم شمل العائلة» - من الأشخاص الذين «لم يحدث لهم أي شيء، على الأكثر تأثر مستمر بأحداث خارجية.» ربما فقط لأنه خائف، أو لأنه لا يستطيع أن يرى الحوائط، أو لأنه اختار ألا يراها.
السير في الزمن
1
رجل عجوز أو شاب صغير، يبدأ حكايته: «كان يا ما كان»، ثم ينتقل بالأحداث على حريته؛ يبطئ حينا عند مشهد ما ويسهب في وصفه، ويسارع في مشاهد أخرى فيجعلها متتابعة تخطف الأنفاس، قد ينتقل من الزمن الحاضر إلى الماضي: «وكان قبلها قد حدث أنه ...» أو يقفز إلى المستقبل دون تمهيد: «ثم/بعد عشر سنوات/في النهاية ...» أو ربما يخلط بين الأزمان بشكل غير منتظم: ماض حاضر ماض ماض ... وهو في هذا كله كحكاء بارع يراعي التشويق، يعرف أن الحدث (الحدوتة) لا يكفي، وأن الطريقة التي يقول بها قصته قد تكون أهم من القصة. لكن المسألة ليست فقط في التشويق، الفكرة هي أن شكل الزمن الخطي الذي نعرفه لا يعبر دائما عن أفكار الإنسان ومشاعره بشكل كاف، الإنسان يكون في لحظته الحاضرة مرتبطا بلحظات بعينها في ماض قريب أو بعيد، يستعيدها حنينا، أو ندما، أو تأملا، يستعيدها لصلتها بحاضره، أو لأنها أبعد ما تكون عن حاضره. الإنسان يتطلع أيضا للمستقبل، يتشبث به كمهرب، أو يخاف منه كخطر، أو يتساءل بخصوصه بحيرة. لحظة أو فكرة ولدت منذ عشرين عاما أو أكثر، قد تساعد على فهم اللحظة الراهنة لهذا الإنسان، بشكل أكبر من أحداث أسبوعه أو عامه السابق أو ربما عدة أعوام ممتدة. قد يحس الإنسان الدقائق القليلة ساعات حين ينتظر أو يتألم، وتمر الساعات كثوان أوقات السعادة، إحساسه بالزمن يختلف عن مروره الواقعي، ولا يهم وقتها ما تقوله له ساعة الحائط.
2
في مشهد من فيلم آلة الزمن
صفحه نامشخص