كانت النهضة إعادة ولادة أشياء أخرى إلى جانب تذوق أطراف مستديرة والعلم الخاص بتمثيلها، وها نحن نسمع مرة ثانية بمرضين، متوطنين في روما الإمبراطورية، يحصن كل مجتمع حيوي وعفي نفسه منهما بدرجة معقولة؛ تصيد النادر، والاطلاع الواسع. ليس بوسع هذين الطفيليين التمكن من جسم صحيح، إنما على المادة الميتة أو المحتضرة ينموان ويسمنان؛ فشهوة تملك ما هو نادر ليس إلا؛ هي مرض ينشأ عندما تشيخ الحضارة، ويلازمها إلى القبر، إنه إعفيني (
saprophytic )،
34
لك أن تسمي صائد النوادر «جامعا»
collector
إذا كنت لا تعني بالكلمة ذلك الذي يشتري ما يسره أو يحركه. من المؤكد أن مثل هذا الشخص لا يستحق الاسم ؛ فهو يفتقد غريزة العقعق الحقيقي؛ فالقيمة الباطنية للعمل الفني عند «الجامع» الحقيقي هي شيء غير ذي صلة؛ فالأسباب التي تجعله يثمن لوحة هي تلك الأسباب التي تجعل جامع الطوابع يثمن طابع بريد، وبالنسبة له يعد سؤال «هل هذا يحركني؟» سؤالا مضحكا، والسؤال «هل هو جميل؟» يعد سؤالا عقيما. ورغم أن جامع الطوابع أو الأعمال الفنية، الشديد التذوق، يسمح للجمال أن يكون جوهرة جميلة في تاج الندرة، فإنه يود منا أن نفهم أن القيمة التي تسبغها هي قيمة عرضية وتعتمد في وجودها على الندرة. لا ندرة لا جمال. أما عن القيمة الإستطيقية الأعمق، فلو قدر لإنسان أن يعتقد في وجودها لكف عن أن يكون جامعا. والسؤال الذي يجب أن يطرح هو: «هل هذا نادر؟» افترض أن الرد بالإيجاب فسيبقى سؤال آخر: «هل هو أصلي؟» إذا كان عمل أي فنان معين غير نادر، إذا كان العرض يفي بالطلب، فيبقى أن يستنبط أن العمل غير ذي شأن كبير؛ فالفن الجيد هو الفن الذي يجلب أسعارا جيدة والأسعار الجيدة تأتي من قلة المعروض، ولكن رغم أن من المشهور أن عمل فلاسكويز
Velasquez
نادر نسبيا؛ ومن ثم جيد، فإنه يبقى أن يحكم ما إذا كانت لوحة معينة عرضت بخمسين ألفا هي حقا من عمل فلاسكويز.
يدخل الخبير
the expert ، الذي أود أن أميزه عن الأركيولوجي وعن الناقد، الأركيولوجي رجل لديه فضول أحمق وخطر عن الماضي، وأنا شخصيا بي من الأركيولوجي خصلة، الأركيولوجيا خطرة لأنها يمكن أن تغشي بسهولة على حساسية المرء الإستطيقية؛ فقد يشرع الأركيولوجي، في أية لحظة، في تثمين عمل من أعمال الفن لا لأنه عمل جيد بل لأنه قديم أو شائق. ورغم أن هذا أقل سوقية، من تثمينه لأنه نادر أو غال فإنه قاتل للتقدير الإستطيقي بنفس الدرجة، ولكن ما دمت على إدراك ببطلان علمي، ما دمت أدرك أنني أعلي من قدر العمل الفني لأني أعلم متى وأين صنع، ما دمت أدرك أنني في الحقيقة في وضع غير موات في الحكم على فسيفساء القرن السادس حين أقارن بشخص لديه نفس الحساسية، ولكنه يعلم ولا يهمه شيء عن الرومان والبيزنطيين، ما دمت أدرك أن النقد الفني والأركيولوجيا شيئان مختلفان؛ فإنني أرجو أن يسمح لي أن أقرزم في هوايتي المفضلة دون أن أفضح، آمل ألا ينالني أذى.
صفحه نامشخص