فمعظمه ليس فنا بدائيا أو قروسطيا أو نهضويا، بل هو فن جرماني، وهو على كل حال مظهر للطابع القومي وليس إلهاما إستطيقيا، أغلب الخلق الإستطيقي يحمل ميسم القومية وقلما تحمل القومية الجرمانية أي أثر من الخلق الإستطيقي، والفروق بين كنوز آكن والعمارة الجرمانية والنحت الجرماني بالقرن الخامس عشر وما ينتج الآن في ميونيخ هي فروق سطحية؛ فكلها تقريبا جرمانية حتى النخاع، جرمانية قلبا وقالبا: أعني أنها منجزة بضمير حي، ونية صادقة، وتمكن شديد، ومفتقرة بالتحديد إلى ذلك الذي يميز العمل الفني عن أي شيء آخر في العالم، يمكن الشعور بإلهام العصور المظلمة وحساسيتها بأتم وثوق وسهولة في الأعمال الفنية الصغرى المنتجة في فرنسا وإيطاليا،
18
على أن إيطاليا فيها من العمارة ما يكفي لأن يثبت تماما، إذا كان ثمة حاجة لبرهان آخر، أن الروح كانت عفية، إنه عصر ما يسميه سيجريفويرا العمارة قبل اللومباردية -الإيطالية البيزنطية: إنه عصر المدرسة البيزنطية للتصوير في روما.
19
إن ما فعله «البرابرة»، بشكل غير مباشر، للفن هو شيء لا يمكن إنكاره؛ لقد أزالوا تقريبا تقليد الثقافة، شرعوا في القضاء على بعبع الإمبراطورية، لقد نظفوا السجل، واستطاعوا أن يقدموا قوارير جديدة للخمر الجديد. يتعذر على الفنانين أن يكبتوا حسدهم عندما يسمعون أن المصورين والأساتذة الأكاديميين قد استرقوا بالنقاط. لقد تسلم البرابرة المشعل واجترحوا في ضوئه الأعاجيب. غير أن الناس في تلك الأيام كانوا منشغلين بالقتال والحرث والصلاة؛ بحيث لم يبق لهم متسع من الوقت لأي شيء آخر. لقد امتصت الحاجات المادية طاقاتهم دون أن تسمنهم، كانت شهيتهم الروحية ضارية ولكن كان لديهم دين حي وفن حي ليشبعاها. يفترض الناس أن العوز والقلاقل في العصور المظلمة قد حطت بالبشرية إلى منزلة لا تكاد تفترق عن الحيوانية، غير أن فنهم وحده يدحض ذلك. وثمة دليل آخر: إذا كان الاضطراب والقلاقل تحط البشر إلى البهيمية لكان الإيطاليون بالقرن التاسع هم أولى الناس بالثغاء والرغاء؛
20
لقد كانوا عرضة على الدوام لتحرشات العرب والمجر واليونان والفرنسيين والجرمان على اختلاف أنواعهم، وكانوا محرومين من حوافز العمل والخلق التي أنتجت في زمن الأمن الواسع للباكس رومانا
21
والباكس بريتانيكا تلك الثمار المجيدة للموهبة الفردية والعظمة العامة، على أن المستشكفين المجريين في 898م يرون أن شمال إيطاليا كثيف السكان ومليء بالمدن المحصنة،
22
صفحه نامشخص