وأنا مع خصاصتي لست أبعد
أنت مثلي من الثرى وإليه
فلماذا يا صاحبي التيه والصد
مطران ومدرسة أبوللو
وفي الوقت الذي كان فيه جماعة الديوان، وكان المهجريون يهاجمون المدرسة التقليدية أعنف الهجوم ويدعون إلى التجديد دعوة عنيفة صاخبة كان ثمة شاعر كبير يجدد في صمت، ويقدم روائعه الجديدة حاملة الدعوة العملية لهذا التجديد، وهو الشاعر خليل مطران الذي كتب المطولات القصصية والدرامية الرائعة، كما كتب الوجدانيات التي رأينا مثلا جميلا لها في قصيدة «المساء» التي كتبها سنة 1902 وهو مريض بمكس الإسكندرية، وقد رأينا كيف أحال الوصف فيها من الحسية التقليدية إلى الوجدانية التي يمتزج فيها الشاعر بالطبيعة، ويتجاوب معها وكأنه حل بها وحلت به؛ مما يجعل من مطران رائد الوصف الوجداني في شعرنا العربي الحديث.
ولقد أعلن الشاعر أحمد زكي أبو شادي منذ ديوانه الأول «أنداء الفجر» أنه قد تتلمذ على مطران، كما أعلن الاعتراف نفسه عدد من كبار جماعة أبوللو التي تأسست في سنة 1932 وأصدرت مجلتها الشعرية الخالدة التي ظلت تصدر حتى آخر سنة 1934 متخصصة في نشر الشعر الجديد ونقده، ومنهم الشاعر الوجداني الكبير الدكتور إبراهيم ناجي، الذي تحدث غير مرة عن «الحمى المطرانية» التي أصابته وأصابت رفاقه.
وعلى الرغم من أن جماعة أبوللو لم تدع أنها تكون مدرسة ذات فلسفة شعرية محددة، بل أعلنت على العكس أنها تفسح صدرها وصدر مجلتها لكل شعر جيد، فإنها في مجموعها قد تميزت بالطابع الوجداني الخالص رغم اختلاف كبار أعضائها اختلافا بينا في المزاج النفسي، وهو الخلاف الذي جعل من شعر ناجي قصيدة غرام ومن شعر أبي القاسم الشابي ثورة نفسية عارمة، ومن شعر على محمود سيمفونية مرحة مبتهجة بالحياة، ومن شعر حسن كامل الصيرفي تأملا انطوائيا متصلا في الحياة وحقائقها، ومن شعر الهمشري هروبا عاطفيا من صخب الحياة إلى «نارنجته الذابلة» أو إلى «قمة الأعراف»، فأغنوا شعرنا العربي المعاصر بثروة ضخمة من شعر الوجدان المتفاوت النغمات المتعدد الألوان امتدادا من ناجي صاحب «العودة» و«الأطلال» والقائل:
تتعاقب الأقدار وهي مسيئة
كم عقنا ليل وخان نهار
وكأنما هذا الفضاء خطيئة
صفحه نامشخص