وهذا العارض الطارئ نادر الحدوث جدا قد لا يحدث لواحد من مائة مليون نجم وكل مائة مليون سنة مرة - حسب رأي السير تجايمس تجينز - لسببين:
الأول:
أن رحاب الفضاء الخالية من الأجرام بين نجم ونجم واسعة جدا، فإذا كان معدل المسافات بين النجوم كالمسافة التي بيننا وبين أقرب نجم لنا «ألفاقنطورس» وهي نحو 4 سنين نورية وخمس؛ فلا أمل في أن يقترب نجم إلى نجم آخر اقترابا كافيا للتأثير الجاذبي فيهما بحيث ينشئ مدا وجذرا إلا في مصادفة نادرة جدا جدا.
الثاني:
أن الأجرام في قرص المجرة تسير متفاوتة في اتجاه واحد دائرة حول مركز المجرة بسرعات متفاوتة كما تدور السيارات حول الشمس؛ فعلى تلك الأبعاد السحيقة التي بينها ينقطع الأمل بأن يصادف مرور نجم آخر بحيث يحدث كل منهما مدا يسلخ منه نطفات صغيرة فتتجمد سيارات دائرة حوله. (2) الحياة مقصورة على الأرض
فلذلك يغلب الظن أن شمسنا هي الوحيدة في عالم المجرة التي تلقحت باقتراب نجم آخر إليها فولدت سياراتها، وأرضنا هي الوحيدة التي صلحت لتمخض الحياة، وإن كانت هذه الصدفة قد طرأت لجرم آخر فهيهات أن تكون الظروف المناسبة للحياة متوفرة لها كما توفرت لأرضنا. وإن كانت ظروفها مناسبة أو مقاربة لظروف أرضنا، فإن كان ثمت عمل كيماوي ينتج شيئا كالحياة التي نشأت على أرضنا، فظاهراته تختلف كل الاختلاف عن ظاهرات حياتنا.
زد على ذلك أن دهر الحياة على الأرض قصير بين دهور التطورات الأرضية؛ فقد سبقه دهر الغازية، فدهر السيولة، فدهر التجمد الذي كانت الحرارة فيه لا تزال فوق درجة الغليان أمدا طويلا، ثم سيليه دهر البرودة والجليد، وهو أطول دهور الأرض، وبعده دهر الفناء التشععي البطيء جدا، وهو أطول من دهورها جميعا.
فعمر الحياة على الأرض قصير جدا بالنسبة إلى عمر الأرض، وبالأحرى بالنسبة إلى عمر الشمس وسائر النجوم.
فترى مما تقدم أن العالم المادي يتطور تطورات مختلفة ليست من مصلحة الحياة، بل بالعكس هي تطورات قاضية على الحياة؛ فإذا تبينت طور الحياة من خلال تلك الأطوار تراءت لك لمعة لمعت مصادفة في مجرى الوجود كأنها فلتة شاذة.
فلو كانت غاية الوجود إنشاء الحياة وخدمتها ووضع نفسه كأداة بين يديها، ما انحصرت الحياة في الأرض، وهي أقل من ذرة في الأكوان ، ولا انحصر نشوء الجرم الصالح للحياة بسيار واحد حول شمس واحدة، ولا كان عمر الحياة كلحظة من زمن الوجود.
صفحه نامشخص