2
وذلك إلى اليوم الذي تهلك فيه بدورها لعجزها عن تحقيق أماني الأمم.» «وما انفك جميع الخطباء السياسيين منذ أوائل الثورة الفرنسية حتى أيامنا، يعلنون في خطبهم حقدهم على الاستبداد وحبهم للحرية.» «وعلى العكس يكشف تاريخ هذا الدور عن مقت عظيم للحرية، ولا سيما حرية الآخرين، كما يكشف عن ميل إلى الاستبداد.» «وتدور جميع المعارك السياسية حصرا تقريبا حول معرفة أي الأحزاب سيمارس هذا الاستبداد وأية طبقات من المواطنين ستحتمله» (روح السياسة).
خلاصة عامة
بالشواهد السابقة ينتهي هذا الكتاب الذي حاولت أن أثبت فيه بعض مناحي التاريخ العظيمة والضرورات التي توجه مجراه.
وتحول العالم مرات كثيرة منذ الزمن البعيد الذي لم يكن فيه للإنسان - الغائص في ظلمات ما قبل التاريخ - دافع للعمل غير احتياجه إلى الغذاء والتناسل، وبالتدريج أضيفت عوامل سير أخرى إلى شروط الحياة الأولى التي وجهت الإنسانية في فجرها، والتي تبقى وحدها موجهة لمعظم الناس في كل حين، وكانت الأوهام النافعة أو الضارة أقوى هذه العوامل التي وجهت الأمم بتعاقب الأجيال. •••
وعلى ما ألقاه كثير من الاكتشافات من نور يبقى تفسير الحوادث التاريخية العظيمة ناقصا، ويظل معظم المسائل بلا جواب، فكيف وفق أعاظم المتهوسين الخالقين للأوهام لإيجاد آلهة شتى تولد العزائم الشعبية وتتحول؟ وما السبب في أن شأن الأغاليط الجماعية في حياة الأمم أعلى من شأن العقل؟
وإذا كان التاريخ مملوءا إبهاما وتفاسير وهمية فلأنه ليس في الحقيقة غير تعبير باطني عن بعض الحوادث الوجدية التي تتألف الحياة من مجموعها، فدراسة الحياة أمر ضروري لفهم التاريخ؛ ولذلك رأينا أن نتكلم في هذا الكتاب عن السنن التي تسيطر عليه.
والتاريخ الذي هو قصص لبعض مظاهر الحياة يصدر إذن عن منطقة حافلة بالأسرار دائما، وذلك لأن جميع الحادثات المترجحة بين تكوين خلية بسيطة ونمو الفكر الدماغي تظل غير مدركة من هذه الناحية، فيتعذر صوغ فرضية لتفسيرها، ويفوق إدراك حياة أحقر عضو وسائل الذكاء كثيرا.
ومع ذلك فلا يجوز أن يقنط من النفوذ ذات يوم في هذه المنطقة المستغلقة، فما يدرك اليوم مؤلف من غير المدرك بالأمس.
ودراسة مثل هذا التطور تحتمل مرحلتين مختلفتين، ففي الأولى تحقق الحوادث فقط، وهي تدرك في الثانية، ودرجات المعرفة المختلفة هذه تلاحظ بسهولة في سواء الفكر الحديث، ولا بد له من القول ببعض الإيضاحات التي لا يمكنه إدراكها بعد، ومن ذلك مثلا: انتشار فكرة كون دائم التحول، فلا يوجد له أول ولا حد ولا آخر، وتضاف إلى الأبدية القائمة أمامنا، والسهل إدراكها نسبيا، أبدية قائمة وراءنا فيلوح أن النفس ملزمة بقبولها، ولكن من غير أن تتمثلها، وتقوم الهندسة نفسها على تعريفات ألزم العقل بقبولها من غير أن يدركها، كما أثبت ذلك منذ زمن طويل.
صفحه نامشخص