فلسفه تاریخ نزد ویکو

عطیت آبوالسعود d. 1450 AH
34

فلسفه تاریخ نزد ویکو

فلسفة التاريخ عند فيكو

ژانرها

ويرى فيكو أن الأدلة اللغوية تكشف لنا بطريقة واقعية عما كشفه لنا التأمل الفكري في التاريخ، فبحثه اللغوي في أصل التنظيمات الاجتماعية سيؤيد بطريقة طبيعية ما توصل إليه من قبل بطريقة فكرية وفلسفية، وبذلك يحقق صدق منهج بيكون الذي عبر عنه بكلمة «فكر وانظر» أي أن الدراسة اللغوية ستقدم أدلة واقعية تؤيد الأدلة الفلسفية التي اهتدي إليها بالتفكير.

والواقع أن قيمة منهج فيكو تتجلى في أنه شق طريقا جديدا لم يسبقه إليه أحد؛ فهو لا يبحث في وثائق الماضي إلا عما يمكن أن تقدمه لنا من تاريخ الذين صنعوها ومعتقداتهم. وقد كان منهجه منذ البداية منهجا متكاملا لأنه يدرس تاريخ البشرية دراسة استقرائية - كاستقراء بيكون للطبيعة - كما يبحث مراحل تطوره بدلا من تأليف فروض مصطنعة عنه. والمادة التي يستخدمها فيكو في هذا الاستقراء عن الماضي البعيد هي التراث الأسطوري الشعبي الذي يسجل - مهما كانت أشكاله ومهما حرف الواقع - التاريخ القديم للشعوب؛ ولهذا نراه يرجع للأشعار القديمة مثل أشعار هوميروس والتشريعات البدائية مثل قانون الألواح الاثني عشر. ومهما يكن من رأي فيكو في أصالة هذه المادة فيجب أن ننتبه للروح التي اختارها بها وكيف أن تفكيره يعد من هذه الناحية تفكيرا متقدما على التأملات المجردة في عصر النهضة؛ إذ أسقط من حسابه كل الوثائق التي يصور المؤرخون في القرن السادس عشر أنها تكشف لنا عن التاريخ القديم كالتنبؤات الكلدانية والقصائد الأورفية والأبيات الذهبية المنسوبة لفيثاغورس، ولعل مما يكشف عن أصالة تفكير فيكو أنه تسلح بفكرة مؤداها أن أصول التاريخ البشري قليلة وغامضة وفظة؛ ولهذا رفض علما مزعوما مكونا من ألغاز، كما رفض المنهج الرمزي الذي يفسر الأساطير ليستخرج منها تاريخ العقل.

الباب الثاني

قانون التطور

الفصل الأول

قانون تطور الأمم

يتناول هذا الفصل قانون تطور الأمم الذي توج به فيكو كتابه الضخم «العلم الجديد» الذي صدرت الطبعة الأولى منه عام 1725م، ولكن بداية ظهور هذا القانون ترجع إلى ما قبل العلم الجديد بسنوات طويلة؛ فقد ظهر للمرة الأولى في الخطبة الافتتاحية التي ألقاها فيكو عام 1708م ونشرت في كتاب عام 1709م تحت عنوان «مناهج الدراسة في عصرنا». وفي هذا الكتاب يعرض فيكو آراءه عن التربية، فيقول بوجود قانون للتطور النفسي يرتقي بفضله الفرد خلال سلسلة من المراحل تحددها الطبيعة بصورة ثابتة، هذه المراحل توازي سلسلة أخرى ثابتة من المراحل الحضارية اجتازها الجنس البشري خلال تطوره من الطفولة إلى الشباب ومن الحياة البدائية إلى حياة التمدن. ومعنى هذا أن الفرد الواحد يلخص في صورة مصغرة عملية تطور النوع بأكمله. ويعتقد فيكو أن التربية ينبغي أن تقوم على هذا النظام الطبيعي للمراحل، ويدافع - قبل روسو - عن ضرورة أن تكون التربية مطابقة للطبيعة. والواقع أن أهمية هذه الفكرة لا تقتصر على سبقها لفكرة التربية الطبيعية كما عرضها روسو في كتابه المعروف «إميل أو التربية»، وإنما تعود أهميتها إلى أن فيكو لم يقصرها على مجال التربية وحده وإنما تجاوزها إلى رؤيته الفلسفية للتاريخ، وهي الرؤية التي تفتحت زهورها وآتت ثمارها في العلم الجديد.

وبغض النظر عن آرائه التربوية التي تعتمد على إدراك نفسية الطفل (وتعد كما يقول بعض الباحثين رائدة علم نفس الطفل الذي أصبح علما مستقلا منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر) فإن هذه الآراء تلقي الضوء على نظريته في المعرفة التي تلخصها هذه العبارة اللاتينية

Verum ipsum factum (الحق هو العمل نفسه) وهو المعيار المعرفي الذي وضعه فيكو عن قصد في مقابل المعيار الديكارتي المعروف عن الحقيقة، وهي الأفكار الواضحة المتميزة.

ولعل هذه العبارة، كما يقول كروتشه، تحتوي على بذور نظريته المتكاملة في المعرفة، فنحن لا نحصل على المعرفة الحقة إلا إذا قام نفس الشخص بالتفكير والفعل معا، والإنسان صانع تاريخه يمكنه أن يعرفه، كما أنه لا يعرفه إلا لأنه صانعه. وغني عن الذكر أن هذه الفكرة المحورية ترتكز عليها النزعة التاريخية

صفحه نامشخص