Throce
وهم ليسوا إغريقا، وكانوا يعبدون إله الشعر.»
ونقل الأستاذ روبرتسون عن القدماء أقوالا تاريخية تؤيد مذهبه، فنقل عن هيرودتس أن أصل اليونان قبيلة حربية ذات نفوذ واحترام عظيمين، فتبعها كثير من القبائل الأخر التي كانت آخذة بتقاليدهم، وصرفت على نفسها اسم القبيلة «اليونان».
ونقل عنه أيضا: «إن الإسپرطيين يونان وأن الإثينيين «بلاسجة
» ولكنهم مع الزمن اصطبغوا بصبغة اليونان وتعلموا لغتهم.»
ونقل عن تيوسديدس قوله: «غير ميسور أن نعثر في العصر التاريخي على شعب يوناني أصيل لم تجر في عروقه دماء دخيلة من قبائل أخر.» ويتخذ الأستاذ روبرتسون هذه الأقوال دليلا كافيا لإثبات أن الحضارة اليونانية قد تطورت باللقاح السلالي، وأنها لم تنشأ غير متأثرة بغيرها من الحضارات القريبة منها أو البعيدة عنها.
أما علاقة اليونان بغيرهم من الأمم المتحضرة - وبخاصة مصر القديمة - فإن الأستاذ ألبير فور الفرنسي قد أبان عنها في تقرير علمي مسهب ننقله بحروفه لنفاسته، قال الأستاذ فور:
1 «إذا غرست التقاليد أصول فكرة من الفكرات سواء أكانت عقلية أم فنية أم أخلاقية أم من أي ضرب آخر من ضروب الثقافة والمعرفة، ثم درجت عليها الأجيال المتعاقبة، فإنها لا تمحص ولا تختبر، بل ولا تعرض على محك النقد لتبلو نصيبها من الصحة والخطأ، ذلك بأن تقريرها في الأذهان يدخلها في حظيرة النحل المقدسة، ويرفعها إلى مرتبة العقدة الثابتة التي يعد بحثها تدنيسا لقداستها، وتهجما على حرمتها.» «من هذا أن كثيرا من مشهوري العلماء والفلاسفة ونابهي الكتاب والمفكرين قد أخذوا بأفكار في نشأة الحضارة اليونانية، بطلانها من الوضوح والجلاء بحيث يمكن أن تدركه عقول أقل من عقولهم هبة وملكة واستعدادا.» «فقد قيل : «إن الحضارة اليونانية - أم الحضارة الغربية - ليست مدينة بشيء إلا لنفسها.» فردد هذا القول كتاب اتفقوا في الفكرة، وإن اختلفوا في طريقة التعبير عنها، ورموا جميعا إلى إثبات أنه في تلك البقعة الفريدة الممتازة، استقى شعب مختار من شعوب البشر كل غرائب الفن، ومدهشات العلم، وروائع الأدب والفلسفة، مستمدا أصولها من ذات نفسه ومن أعماق وجدانه.» «والغرض من هذا البحث إثبات ما ينفي ذلك، وإظهار أن اليونان - وبخاصة في الفلسفة - قد استقوا معلوماتهم - إلى حد ما - من مصر القديمة.» «على أن الإحاطة الوافية بما يمكننا من إثبات ذلك إثباتا كاملا أمر عسير، ذلك بأن هذه المسألة لن تحل عقدتها اليوم، ولكن رسم القاعدة التي ينبغي علينا أن نتبعها، وشرح طرقها أمر لا يخلو من فائدة، ولا ريب في أن عملنا يثمر ويؤتي أكله، إذا استطعنا أن نجلب حجرا واحدا نضعه في أساس البناء الذي سيتمه غيرنا في الأيام المقبلة، بعد أن يضرب علم العاديات المصرية بقدم ثابتة في سبيل التقدم الذي يحق لنا أن نغتبط بتباشيره، معتقدين أننا سوف نبلغ فيه شأو الكمال، قياسا على ما أتم العلماء الذين ترسموا خطوات شمبوليون، ومن تقدمه من البحاث المنقبين من الأعمال الباهرة إلى يومنا هذا.» «عملت على نشوء الحضارة ثلاثة شعوب ممتازة بمقدرتها الابتكارية؛ هم: المصريون والكلدان وأسلاف اليونان، ومنهم استمدت الثقافة اليونانية عناصرها، ولقد كان لمصر في العمل الذي تكاتفت عليه هذه الشعوب الثلاث أثر رئيس، فإنها كانت في طليعة الأمم جميعا من حيث التأثير في أسلاف اليونانيين، أولئك الذين ورثهم (الأيونيون) وأغارقة العصر الأول، ولقد دلت الإحاثة في جزيرة كريت - إقريطش - وفي جزر (الفلوپونيز) وفي آسيا الصغرى من حول مدينة (طروادة) على حضارات ربت ونمت في خلال الألفين الثاني والثالث قبل الميلاد، حضارات اتسمت بسمات عامة مشتركة فيها دلائل على تأثير شرقي بقدر ما، ومثلها أوجه من الشبه كبيرة في آثار من منشآت الفن المسيني، وضروب من الفن المصري سواء أفي الزخرف الصناعي أم الفني.» «وهناك دليل قاطع على وجود علاقات بين سكان اليونان وبين المصريين، حتى لو آثرنا أن نعتبر الفن المسيني هو المؤثر في الفن المصري لا العكس. وقصر إكنوزوس الذي اكتشفه مستر إيفنز في جزيرة (إقريطش) يرجح أنه قد بني على مثال الفن المصري، وطبقا لقواعد البناء والعمارة المصرية، ولا بد أن هذا القصر قد شيد بين سنة 2500 وسنة 1800 قبل الميلاد، ومن المحتمل أن يكون بين سنة 2200 وسنة 2000، وهذا يدل على أن العلاقات بين اليونان، أو على الأقل بين أسلافهم، وبين المصريين كانت موغلة في القدم، ولكننا سنقول إن القصر بني قبل ذلك؛ أي حوالي سنة 1200 أو سنة 1300 قبل الميلاد.» «ولكن المحقق أنه شيد بين سنتي 1000 و1400؛ أي خلال الحرب الطروادية أو قبل نشوبها، ومن هنا نرى أن أهل آسيا كانوا متحالفين تجاه مصر، وكان هذا التحالف مكونا من التكرين والدانيين والترهينيين وغيرهم. ولقد أكد بحاث أن الملحمة التي نظمت في التغني بانتصار الفرعون رمسيس الثاني - سيزوستريس - من ملوك الأسرة التاسعة عشرة على أهل سوريا، كانت الأصل الذي أوحى إلى هوميروس نظم الإلياذة، ولا مسوغ للشك في أنها أثارت ضجة بداءة - وكما هو طبيعي - في مصر نفسها، إذ إن أصلها قد حفر كله أو بعضه في معابد كثيرة، زد إلى هذا أن الآسيويين الذين احتكوا بحضارة النيل في الحرب أو التجارة أو المعاهدات، قد حملوا - من غير شك - صداها إلى أسماع اليونان، الذين كانوا في بدء الدخول في دورهم التاريخي، ولكن استنتاجنا من ذلك أن الملحمة المصرية قد أثرت ضرورة في نظم الإلياذة؛ أمر غير مقطوع به، وأي تأثير لمصر في اليونان من هذه الناحية عرضة للشك والظنون، وإذن يكون من العبث محاولة بحثه هنا.» «ولكن إذا تأملنا في التشابه الكلي بين تمثال «أبولون
Apollo » الذي عثر عليه بالقرب من قورنثية وبين التماثيل المصرية للدول القديمة، نترك الفروض وندلف إلى الحقائق، ونقرر الآن أنه لما كان الأسلوب التقليدي هو الطراز الذي كان سائدا في العصور المتأخرة من تاريخ مصر، ولما كان الفنانون يقلدون الآيات الفنية التي جاء بها أسلافهم سنحت الفرصة لليونان لتقليد النماذج المصرية من كل عهد ومن كل مذهب فني، حتى قبل أن يرخص لهم الفرعون إپزاماتيك بالدخول في وادي النيل. ومما هو أشد إثارة للدهشة؛ التشابه بين التماثيل الجالسة التي تملأ جانبي الطريق المقدس الموصل إلى معبد رديميان أبولون في مليطس وبين التماثيل الجالسة في مصر، والتي يرجع عهد بعضها إلى أبعد العصور، وتماثيل مليطس أيديها موضوعة على الركب وسيقانها متلاصقة مثل التماثيل المصرية، ويمكن للإنسان أن يلحظ هذه المشابهة بسهولة إذا قارنها بتماثيل ممنون التي أقامها أمنوفيس الثالث من الأسرة الثامنة عشرة، وهي متقدمة على النماذج اليونانية بقرون عديدة، ربما قاربت ثمانية قرون. ومثل هذه النماذج إنما تدلنا على أن الحضارة اليونانية المبكرة أو حضارة أسلاف اليونان والحضارة «الأيونية» المستنيرة قد تأثرتا بالحضارة المصرية.» «وبفضل شمبوليون وحله للرموز الهيروغليفية، وبفضل عمل العلماء الذين جاءوا من بعده وصرفوا جهودهم لرد مصر القديمة إلى الحياة، أصبحنا اليوم في موقف يمكننا من تكوين فكرة في الأصول المنقوشة على الحجر أو المكتوبة على ورق البردي، وقد تألفت مجموعة وافرة من المخطوطات من كل نوع بفضل جهود علماء العاديات المصرية الذين زادوا إلى ثروة العلم باكتشافاتهم وبإصلاحهم أخطاء عديدة عن حضارة مصر، كانت قد حازت الثقة من قبل. وللأسف إن هذه المخطوطات - على كثرتها - ليست في الحقيقة غير جزء قليل من الكتب الكثيرة التي كانت مكدسة في المكاتب وفي معابد الفراعنة. ولذا لا تزال عملية سد الثغرات باقية، وهذا هو سبب اختلاف المؤرخين، وتفرقهم شيعا وأحزابا في تفسير ديانة مصر القديمة، ونحن مرغمون على الرجوع إلى المخطوطات التي بين أيدينا وتحت تصرفنا، ومضطرون إلى أن نستنبط منها النتائج التي تعتبر بالنسبة إلى حالتنا العلمية محتملة، إن لم تكن باتة نهائية. وعلى أقل تقدير، يمكن أن يكون في مستطاعنا إعطاء فكرة حقيقية عن الحياة العقلية والأخلاقية لمصر في ألف السنة الأولى قبل الميلاد، وبخاصة في القرنين السابع والسادس؛ أي في الوقت الذي تأكدت فيه العلاقات بين مصر واليونان. وسنرسم الآن صورة عامة لتلك الحضارة الزاهرة، ولكن قبل الإقدام على ذلك سنختبر كيف حظي اليونان بالوصول إلى وادي النيل.» «حوالي سنة 650 قبل الميلاد - ولأسباب سياسية لا تعنينا هنا - دعا الفرعون إپزاماتيك الأول - مؤسس الأسرة السادسة والعشرين - اليونان من آسيا الصغرى لنصرته، ومن ذلك الوقت إلى ما بعده، وفي ظل رعاية هذا الملك وخلفائه؛ أعطيت لهم إقطاعات خاصة عند مصب النيل.» «وفي القرن السادس ق.م اشتهر الفرعون أمازيس بسياسة العطف على الهلينيين
Hellenistics
صفحه نامشخص