فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
ژانرها
A. Goldenweiser (1880-1940م) الذي يرى تماثلا تاما أو تطابقا بين الميول العلمية في العقلية البدائية والميول العلمية في العقلية المعاصرة. والأدنى إلى الصواب موقف وسط نعتمده عبر هذه السطور ويأخذ به مالينوفسكي وهو يؤكد فقط الأصول الأنثروبولوجية لظاهرة العلم في المجتمعات البدائية ... وبالتالي في العهود السحيقة من الحضارة الإنسانية ثم تطورها عبر اتجاهات تطور الحضارة الإنسانية.
وإذا اتفقنا على الأصول الأنثروبولوجية لظاهرة العلم التي تجعل العلم يمتد بجذوره إلى العصور الحجرية فيوازي وجوده وجود الإنسان، أمكن ببساطة أن نتتبع سيرورة العلم عبر الحضارات.
رابعا: العلم عبر الحضارات
كما اتفقنا، العلم شريان تاجي من شرايين الحضارة الإنسانية، ونبضه مؤشر دال على حيوية الحضارة المعنية، والحضارة بدورها ليست مراحل منفصلة متمايزة بقدر ما هي عملية متصلة وسيرورة متنامية، تسلم كل مرحلة فيها إلى الأخرى؛ لذلك فإذا غادرنا تلك الأصول الأنثروبولوجية وجدنا حركية العلم خطا موازيا لحركة الحضارة عبر التاريخ، وتقدمه هو عينه مسار تقدمها. كما أشار مؤرخ العلم جون برنال، بتوجهه اليساري الذي يستدعي تفسيرا ماديا للتاريخ، في الأعم الأغلب يتفق ازدهار العلم مع ازدهار الاقتصاد وتقدم التقانة «التكنولوجيا»، فتنتقل جميعها من بلد إلى بلد ومن عصر إلى آخر. ومن وادي النيل ووادي الرافدين - مصر وبابل - انتقل العلم والتقانة إلى الإغريق، ومن الإغريق رحلا إلى الإمبراطورية الإسلامية، ومن غربها الأندلسي انتقلا إلى إيطاليا في عصر النهضة، ومن إيطاليا إلى فرنسا وهولندا، حتى حطا في إنجلترا واسكتلندا إبان عصر الثورة الصناعية. وهذا هو نفسه مسار الازدهار الاقتصادي والتجاري والصناعي. ويمكن ملاحظة أن هذا المسار واصل سيره ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية من ناحية، واليابان ومراكز عدة في شرق آسيا الناهض من الناحية الأخرى، وكلها مراكز ازدهار صناعي وتقني وعلمي في نفس الوقت.
بداية، تخلق الأساس العريض والجذع المتين للعلم في الحضارات الشرقية القديمة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط منذ ما قبل عام 4000ق.م حتى 6000ق .م، وعلى رأسها أعظم الحضارات طرا وفجرها الناصع، أي الحضارة الفرعونية التي كانت المنشأ الأصيل لمحاور شتى في العلم، بدءا من الرياضة والهندسة والفلك، مرورا بعلوم المعادن والكيمياء وصولا إلى الطب والجراحة. علم الكيمياء بالذات لا يزال يحتفظ باسمه المنسوب إلى اسم مصر، إلى «الكي /مي»
che-mi
أي التربة السوداء؛ كناية أرض مصر الخصيبة، ومنذ أن أمر الإمبراطور دقلديانوس بحرق الكتب الكيمية، أي المصرية، كتب العلم الذي يحيل المعادن ذهبا فيفتن الألباب.
22
على أن رجحان كفة الحضارة الفرعونية لا ينفي دور جيرانها الفينيقيين الذين فاقوها براعة في ركوب البحار وبعض المعارف المتصلة بهذا، كانوا بحارة جسورين وتجارا على اتصال مباشر بالبابليين. والحق أنه لا يضاهي الإنجاز المصري إلا إنجاز حضارات بلاد الرافدين، خصوصا الحضارة البابلية. بعض مؤرخي العلم يرون الإنجاز البابلي في الفلك والتقاويم متقدما على الإنجاز المصري، واتفق العلم المصري مع العلم البابلي في أنه كان حكرا على طبقة الكهنة.
بصفة عامة، كان التقدم أكثر للحساب في بابل وللهندسة في مصر؛ لأن وادي الرافدين يخلو تقريبا من الأحجار الصلبة، بينما مصر عامرة بالجبال والحجارة شديدة الصلابة، والصلابة التي تحفظ الشكل ثابتا هي أساس جيد لتقدم الهندسة. وكان البابليون هم الذين ابتكروا واستخدموا نظام الخانات العددية، ويرى بعض مؤرخي العلم أنهم هم الذين ابتكروا رموز الأرقام، ثم انتقلت من العراق القديم إلى الهند القديمة، فوجب أن نزجي الشكر لبابل على أهم ابتكار في تاريخ الرياضيات.
صفحه نامشخص