فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
ژانرها
فإن اهتمام الأنثروبولوجيا الأحدث نسبيا بأصول العلم النظري هو تطور جوهري حقا للأنثروبولوجيا، بقدر ما هو تطور جوهري لقضية التأريخ للعلم؛ ليفيد هذا التطور بكلا وجهيه في استكشاف قصة الحضارة ومسارها، لا سيما وأن العلم شريان تاجي من شرايين الحضارة الإنسانية، ونبضه مؤشر شديد الدلالة على درجة تدفق الحياة وإمكانيات النماء في الحضارة المعنية.
ويجمل بنا أن نتوقف مليا بإزاء هذا التطور في الأنثروبولوجيا الذي حدث إبان القرن العشرين فأتاح للمعنيين بتاريخ العلم أن يبدءوه ببداية الحضور الإنساني منذ العصر الحجري وما قبل التاريخ؛ لأن التحاور بين أطراف المنظومة المعرفية ورجع الصدى بين جنباتها يجعلنا نلمح توازيا دالا جدا بين هذا التطور في الأنثروبولوجيا وذاك التطور في وضع تاريخ العلم كمبحث نضج الاهتمام به فقط في القرن العشرين.
بادئ ذي بدء يمكن الاتفاق مع علم الأنثروبولوجيا البارز إدوارد إيفانز بريتشارد
E. E. Evans-Pritchard (1902-1973م) على أن النشأة الحقيقية المهيأة للنماء للمباحث الأنثروبولوجية كانت مع انشغال فلاسفة القرن الثامن عشر بالسؤال حول الحالة الطبيعية للإنسان، أو ما كان عليه قبل نشوء الحكومات المدنية،
10
لذا يمكن اعتبار علم الأنثروبولوجيا وليد عصر التنوير الذي حكمته عقيدة العقل والعلم والتقدم اللامحدود الذي تنجزه البشرية باطراد. طريق التقدم واحد هو خطى كتب على البشر أجمعين أن يقطعوها، وإن كان بعضهم أبطأ أو أسرع من الآخر. ثم توطدت هذه العقيدة بفعل نظرية التطور الداروينية ونجاحها اللافت في تفسير الارتقاء الحيوي، فساد الميدان ما عرف بالأنثروبولوجيا التطورية، والتطورية الجديدة، نازعتها في بعض الأبعاد النظرية الانتشارية التي أسسها في إنجلترا إيليوث سميث
E. Smith ، وتزعم أن العنصر الحضاري ينتشر من مواطن ظهوره إلى المواطن الأخرى، وأن حضارة العصر تبدأ في مركز ثم تنتشر منه لتتنامى؛ إذ لا يوجد قوم قادرون على صنع الحضارة بأسرها بمفردهم، ولكن كما أوضح جوردون تشايلد
G. Ghilde ، فإن النزاع بين التطورية والانتشارية زائف ووهمي؛ لأن الأولى تستفيد من الثانية،
11
ويكاد يتفق الأنثروبولوجيون على أن الأنثروبولوجيا كعلم بدأت بالنظرة التطورية
صفحه نامشخص