فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
5-3 . فالجد المشترك للسحالي والتماسيح هو أيضا سلف الطيور. لذا فإن وضع السحالي والتماسيح معا في مجموعة لا تشمل الطيور يخالف شرط أحادية العرق. لذلك، يوصي علماء نظاميات تطور السلالات بالتخلي عن التصنيف التقليدي؛ يجب ألا نعترف بطائفة الزواحف من الأساس لأنها ليست فئة تصنيف حقيقية. فهم يرون أنه ببساطة من الخطأ الاعتقاد بوجود الزواحف.
شكل 5-3: طائفة الزواحف ليست أحادية العرق، إذ لا تتضمن الطيور.
كان مثال طائفة الزواحف ونماذج أخرى شبيهة، محور نقاش حاد بين مؤيدي نظاميات تطور السلالات ومدرستين تصنيفيتين متنافستين في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين. وفقا للمدرسة «الظاهرية» (الفينيتكس)، لا ينبغي أن يكون للتصنيف أي علاقة بالتاريخ التطوري، بل يجب الاعتماد بدلا من ذلك على أوجه التشابه الملحوظة بين الأنواع. ويجب أن يكون الهدف هو تجميع الأنواع المتشابهة معا، بغض النظر عن الأصل المشترك. لذا فإن المدرسة الظاهرية تتعارض تماما مع نظاميات تطور السلالات. تحاول المدرسة الثالثة، وهي مدرسة «التصنيف التطوري»، سلوك نهج وسط بينهما. من منظورها، يجب أن يعكس التصنيف التاريخ التطوري، لكن أحادية العرق الصارمة ليست حتمية. لكن إذا حادت بعض الأنواع داخل المجموعة الأحادية العرق بشكل كبير عن بقية المجموعة، فقد يكون حذف هذه الأنواع مبررا. إذن، يعتبر علماء التصنيف التطوري طائفة الزواحف فئة تصنيف حقيقية، على الرغم من استبعاد الطيور منها، باعتبار أن الطيور قد طورت سمات فريدة لا توجد في الزواحف الأخرى.
يجادل أنصار نظاميات تطور السلالات بأن منهجيتهم في التصنيف «موضوعية» على عكس منهجية تصنيف علماء المدرسة الظاهرية وعلماء التصنيف التطوري. وفي ذلك شيء من الصحة. إذ تستند تصنيفات علماء المدرسة الظاهرية على أوجه التشابه بين الأنواع، والحكم بالتشابه يشوبه شيء من عدم الموضوعية. فأي نوعين سيتشابهان في بعض النواحي ويتباينان في نواح أخرى. على سبيل المثال، قد يتشابه نوعان من الحشرات تماما من الناحية التشريحية لكن تختلف عادتهما الغذائية، إذن ما هي «النواحي» التي نعتبرها كي نحكم بالتشابه؟ تلك مشكلة يواجهها علماء التصنيف التطوري أيضا. إذ يتعين عليهم إطلاق أحكام حول مدى الاختلاف بين المجموعات؛ مثل الحكم بأن الطيور قد حادت كثيرا عن أصناف الزواحف المعتادة. تستند مثل هذه الأحكام جزئيا إلى «الحكم البيولوجي السليم»، لذلك لا يمكن أن تكون مطلقة الموضوعية. بالمقارنة، فإن معيار أحادية العرق واضح تماما؛ فالمجموعة إما أن تكون أحادية العرق أو ليست أحادية العرق (رغم أننا قد لا نعرف أيهما هي). هذا أحد الأسباب التي تجعل منهجية نظاميات تطور السلالات هي السائدة في التصنيف البيولوجي اليوم.
في الأيام الأولى لعلم نظاميات تطور السلالات، اتهمته أصوات معارضة له بأنه أدخل قدرا من عدم اليقين على التصنيف. فلا بأس باشتراط أن تكون التصنيفات أحادية العرق، ولكن ذلك تصنيف استخداماته محدودة ما لم نتمكن من معرفة ما إذا كانت مجموعة معينة أحادية العرق أم لا. وهذا بدوره يتطلب حسن دراية بشجرة تطور السلالات الحقيقية، وهي دراية لا يمكن تحصيلها إلا بطريق الاستدلال غير المباشر. لذا في نهج نظاميات تطور السلالات، في كل تصنيف نضعه ننشئ فرضية ضمنية حول علاقات النسب بين الأنواع المعنية؛ وقد يتبين فيما بعد أن تلك الفرضية خاطئة. وهكذا يظل التصنيف البيولوجي غير مكتمل، عرضة للمراجعة كلما ازدادت معرفتنا بتطور السلالات.
هذا تخوف مشروع، فمن المؤكد أن شرط أحادية العرق استلزم إجراء الكثير من المراجعات التصنيفية. لكن في السنوات الخمس والعشرين الأخيرة ، تحسنت قدرة العلماء كثيرا على استنباط أشجار تطور السلالات. إذ منحهم علم الأحياء الجزيئي مصدرا خصبا للبيانات يتمثل في تسلسلات الحمض النووي للكائنات الحية. في السابق، كانت نظاميات تطور السلالات تضطر إلى الاعتماد على السمات المورفولوجية - مثل شكل الجمجمة والبنية الهيكلية - في إعادة هيكلتها لعلاقات النسب بين الأنواع. لكن تسلسلات الحمض النووي توفر طريقة أكثر موثوقية لتحديد هذه العلاقات، وهو ما يرجع إلى خصوصية هذه التسلسلات وكذلك إلى عددها الهائل. علاوة على ذلك، طورت طرق إحصائية معقدة لتحليل البيانات الجزيئية التي تمكن علماء الأحياء من الوصول إلى مستويات من اليقين بشأن علاقات النسب أعلى من ذي قبل. أحد الأمثلة العديدة على ذلك هو أن البيانات الجزيئية ساعدت في حل جدال قديم حول ما إذا كان البشر يتشاركون سلفا مشتركا أكثر حداثة مع الشمبانزي أم الغوريلا. (الجواب هو الشمبانزي.) لذا فإن الاعتراض القائل بأن التصنيف على أساس العرق يولد الكثير من عدم اليقين التصنيفي لم يعد له وزن كما كان في السابق.
أخيرا، ما العلاقة بين نظاميات تطور السلالات ومخطط لينيوس التقليدي للتصنيف؟ يحتفظ علم نظاميات تطور السلالات ببعض جوانب مخطط لينيوس، كطبيعة التصنيف الهرمية على سبيل المثال. كما يتبين من الشكل
5-2 ، دائما ما تندرج المجموعات أحادية العرق تحت بعضها، دون أن تتداخل؛ لذلك إذا استوفي شرط أحادية العرق، فسيكون للتصنيف الناتج تلقائيا بنية هرمية. ولكن ثمة جوانب أخرى من مخطط لينيوس لا تتوافق مع نظاميات تطور السلالات. تذكر أن كل تصنيف في مخطط لينيوس له رتبة معينة: الجنس، والفصيلة، والرتبة، وما إلى ذلك. من منظور نظاميات تطور السلالات، فإن هذه الرتب ليس لها معنى في ذاتها؛ لا يوجد أساس راسخ يتحدد بناء عليه إن كانت أي مجموعة أحادية العرق جنسا أم طائفة على سبيل المثال. لهذا السبب يرى بعض علماء الأحياء أنه يجب الاستغناء عن رتب التصنيف في مخطط لينيوس تماما؛ لكن تظل تلك وجهة نظر الأقلية.
الفصل السادس
الجينات
صفحه نامشخص