وإقامة الشرائع على إنكار الواقع من طرفيه نقض للشريعة من الأساس، وإنما تقوم الشريعة على أساسها حين تبنى على الواقع وتصلح للتطبيق في أوسع نطاق، فتعترف بتفضيل الزواج الموحد ولا تقضي بتحريم الزواج المعدد؛ لأن تحريم ما دون الكمال يوقعنا في مغالطة لا شك فيها؛ وهي أن الناس جميعا كاملون، أو يستطيعون العيش على سنة الكمال.
وهكذا صنعت شريعة الإسلام؛ اعترفت بأن الزوجة الواحدة أدنى إلى العدل والإحسان، وأباحت تعدد الزوجات؛ لأنه حالة لا بد من حسبانها في الشرائع الاجتماعية، ولا يستطيع أحد أن ينكر وقوعها بموافقة القانون أو بالاحتيال على القانون والخروج عليه.
أباحت شريعة الإسلام تعدد الزوجات، ولم تفرضه كما يبدر إلى أخلاد المتكلمين في هذا الموضوع من الغربيين.
فقد يخيل إليك وأنت تسمع بعض الغربيين يتكلم في موضوع الزواج الإسلامي أن الإسلام قد أوجب تعدد الزوجات على كل مسلم، واستنكر منه أن يقنع بزوجة واحدة مدى الحياة!
وذلك وهم شائع كالوهم الذي شاع في تحريم الأديان الكتابية الأخرى لتعدد الزوجات.
فلا الأديان الكتابية حرمت تعدد الزوجات، ولا الإسلام حرم توحيد الزوجة وأوجب على المسلم أن يتزوج أكثر من واحدة، وإنما أباح تعدد الزوجات مع ضمان العدل بين النساء، واستبعد العدل على طبيعة الإنسان، فقال القرآن الكريم:
ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم .
1
فالأقوال متفقة على أن انعقاد الزواج من ذكر وأنثى هو الزواج المثالي المفضل على غيره.
ولكنه «زواج مثالي» وليس بزواج يتكرر بين كل ذكر وأنثى من نوع الإنسان؛ لأننا لا نستطيع أن نجعل من كل رجل زوجا مثاليا، ومن كل امرأة زوجة مثالية، ومعنى أنه «زواج مثالي» أنه عمل من أعمال الفضائل الاختيارية وليس بعمل من أعمال الشرائع المفروضة على جميع الرجال وجميع النساء، ولا حاجة بالشرائع إلى أن تفرضه على من يصلح له ويتقبله ويفضله على غيره؛ لأنه يؤثره على كل علاقة متعددة ولو أباحتها الشرائع أو حسنتها لمن يطلبونها، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة متى اتفقت بينهما أواصر المودة وتبادل العطف والرعاية.
صفحه نامشخص