فالنفس الصحيحة تصدر عنها أخلاق صحيحة، والجسد الصحيح يصدر عنه عمل صحيح، أيا كان أثر الأخلاق والأعمال في حياة الجماعة، أو حياة الأفراد.
إن القوي الذي يفعل ما يشاء ليس بصحيح؛ لأن النفس الصحيحة لا تنطلق كما تنطلق الآلة التي تملؤها قوة البخار، أو قوة الكهرباء، فتصدم وتهشم، وتخبط خبط عشواء؛ حيث تحملها القوة العمياء.
لا صحة بغير ضابط أيا كان حكم الاجتماع ومطلب الاجتماع.
وكل ضابط معناه القدرة على الامتناع، ورد النفس عن بعض ما تشاء، وليس معناه القدرة على العمل فحسب، ولا المضي مع النفس في كل ما تشاء.
وهذا قبل كل شيء هو مصدر الجمال في الأخلاق؛ مصدره أن القوة النفسية أرفع من القوة الآلية. مصدره أن يتصرف الإنسان كما يليق بالكرامة الإنسانية، ولا يتصرف كما تحمله القوة الحيوانية، أو القوة التي يستسلم لها استسلام الآلات.
مصدره أن يكون الإنسان سيد نفسه، وأن يعلم أنه يريد فيعمل أو يمتنع عن العمل، وليس قصاراه أنه يساق إلى ما يراد.
إن المجتمع قد يملي على الإنسان ما يليق وما لا يليق، ولكنه لا يغنيه عن هذا الضابط الذي تناط به جميع الأخلاق، كما تناط به حاسة الجمال؛ لأنه دليل على صحة التكوين، وخلو النفس من الخلل والتشويه.
وبهذا الضابط الذي لا غنى عنه في كل خلق من الأخلاق يتحدى الإنسان فرائض المجتمع كله إذا فرضت عليه ما ينفر منه طبعه، أو يجرح فيه حاسة الجمال، وسليقة الشوق إلى الكمال، فيعلو على المجتمع في كثير من الأحيان، ولا يكون قصاراه أن ينقاد لما يمليه عليه، بل يخلق الآداب الاجتماعية الجديدة، ولا يكون في أعماله ومقاييسه مخلوقا للمجتمع في جميع الأحوال.
مصدر الجمال في الأخلاق هو أن يشعر الإنسان بالتبعة، وأن يدين نفسه بها؛ لأنه يأبى أن يشين نفسه، ويعتبر «الشين» غاية ما يخشاه من عقاب.
مصدر الأخلاق الجميلة هو «عزم الأمور» كما سماه القرآن، وهو مصدر كل خلق جميل حثت عليه شريعة القرآن. •••
صفحه نامشخص