وأول القائلين بالجبر في صدر الدولة الأموية جهم بن صفوان وأتباعه ومريدوه.
كانوا يقولون: إن الله خلق العباد وخلق لهم أفعالهم كما خلق لهم أعضاءهم وألوانهم، وزعموا - كما قال الشريف المرتضى - أن ما يكون في العبد من كفر وإيمان ومعصية فالله فاعله كما فعل لونه وسمعه وبصره وحياته ... وأن لله تعالى أن يعذبه من ذلك على ما يشاء ويثيبه على ما يشاء ... وكان جهم يقول على ذلك: إن الله خلق في العبد قوة بها كان فعله، كما خلق له غذاء به قوام بدنه، ولا يجعل العبد فاعلا لشيء على حقيقة الفعل والإرادة.
ومذهب أبي الحسن الأشعري قريب من مذهب جهم بن صفوان؛ لأن خلاصة مذهبه أنه لا تأثير لقدرة العبد في مقدوره أصلا، بل القدرة والمقدور واقعان بقدرة الله تعالى، ويرى الأشعري أن العبد مكتسب لأفعاله بقدرة يملكها ساعة الفعل ولا تسبقه، ولكنه لا يخرج بذلك عن مذهب الجبر؛ لأنه ينفي قدرة التأثير عن العباد، ويرجع بها إلى تفسير واحد؛ هو إرادة الله.
سأل أستاذه أبا علي الجبائي: ما تقول في ثلاثة إخوة: اخترم الله أحدهم قبل البلوغ، وبقي الاثنان، فآمن أحدهما وكفر الآخر، فأين يذهب الصغير؟ فقال الجبائي: إنه يذهب إلى مكان لا سعادة فيه ولا عذاب ... فسأله الأشعري: لماذا يذهب إلى ذلك المكان، وهو لم يأت شرا ولا خيرا؟ فأجابه: إنه اختبر، ولأنه علم أنه لو بلغ لكفر! فقال الأشعري: فقد أحيا أحدهم فكفر، فلماذا لم يمته صغيرا؟ فسكت الجبائي عن الجواب.
ومراد الأشعري بهذه الأسئلة أنه مهما يقل القائلون في تعليل التفرقة بين أهل الطاعة وأهل العصيان فمرجع ذلك، في النهاية، إلى علة واحدة؛ هي إرادة الله.
ويرى بعض الجبريين المعتدلين أن الفعل، من حيث هو، واقع بقدرة الله، وأنه واقع بقدرة العبد من حيث كونه طاعة ومعصية.
وهذا قريب من نفي صفات الخير والشر والحمد والذم عن جميع الأفعال في حال صدورها من الله؛ لأن الخير والشر إنما يصحان في حق من يزيد وينقص، ومن يتغير ويتبدل، ولكنهما لا يصحان في حق الواحد الأبدي الذي تنزه عن جميع الغير، وعن جميع أحوال الاختلاف.
ولكل فريق من أصحاب الأقوال في القدر حجج وأسانيد من آيات القرآن الكريم يعتمد عليها في إثبات دعواه.
فمن الآيات التي يعتمد عليها الجبريون:
والله خلقكم وما تعملون ،
صفحه نامشخص