فلسفه انگلیسی در صد سال (بخش اول)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرها
The Limits of Religious Thought » (1858)، وهو في الأصل محاضرات بامتون
Bampton
التي ألقاها مانسل، وقد استلفت الكتاب الأنظار بقوة، وأثار جدلا عنيفا، وأذاع شهرته على نطاق واسع. وترجع الأهمية الكبرى لهذه المحاضرات إلى أنها أوضحت بجلاء موقف المدرسة من المسائل الدينية التي تركها هاملتن غامضة رغم كثرة تلميحاته إليها، فاستخلص مانسل في هذه المحاضرات لأول مرة - وبوضوح تام - النتائج اللاهوتية التي كانت مختفية في مذهب هاملتن المرتكز على الظاهرية واللاأدرية، وحاول - مستندا إلى مبدأ نسبية المعرفة - أن يبين أن جميع الجهود التي نبذلها لنكتشف بواسطة الفكر أي شيء عن الطبيعة الإلهية المطلقة مآلها حتما إلى الفشل، فالمطلق واللامتناهي بعيدان تماما عن متناول الذهن البشري المتناهي، وكل محاولة للتفكير في المطلق أو فهمه بأية وسيلة عقلية تؤدي إلى حشد من التناقض والتضارب لا قبل للعقل بحله؛ فالفكر عاجز تماما في موضوعات الإيمان، وينبغي في النهاية أن يعترف بإفلاسه؛ لذلك يعلن مانسل أن جميع الحجج النظرية ضد عقائد الدين غير صحيحة، وبذلك يخلص نفسه بأسرع وأبسط طريقة من جميع أعداء الإيمان ومهاجميه؛ فليس من مهمة العقل أن يتدخل في الأمور المقدسة، وليس هناك ما يدعونا إلى الأسف على ذلك، بل إن من واجبنا لصالح الدين أن نرحب كل الترحيب بعزوف العقل هذا. وهكذا يبني مانسل كل معرفة لما فوق المحسوس على الوحي الإلهي، وتكون المهمة الوحيدة التي يتعين على العقل النقدي القيام بها عندما يقرر قبول التعاليم الدينية أو رفضها غير متعلقة بمحتوى هذه التعاليم، وإنما بالأدلة التي يمكن الإتيان بها للبرهنة على أن لها أصلا إلهيا فحسب. وهو في هذا الصدد يعزو إلى الحجة الأخلاقية أهمية ثانوية إلى حد ما، وعلى الرغم من أن هذه الحجة عاجزة عن البت في أمر حقيقة موحى بها، فإن في وسعنا أن نحصل، من معايير القيمة الأخلاقية لدينا ، على شواهد مفيدة نستعين بها في الحكم على الأفكار الدينية.
وهكذا كان الاتجاه الذي حول إليه مانسل نظرية المعرفة الكانتية، أوغل في باب اللاأدرية الشكاكة من الاتجاه الذي حولها إليه هاملتن، كما أن الأول أخضع هذه النظرية لأغراض الدين الموحى به، وتم على يديه أقوى انفصال - منذ أيام بيكن - بين الإيمان والمعرفة، وبين الدين والفلسفة، وعادت الفكرة القديمة القائلة: «أومن لأن موضوع إيماني ممتنع عقلا
Credo quis absurdum » إلى مكانتها الأولى، وقد اكتسب المذهب اللاأدري عند سبنسر تأييدا حاسما من هذه التعاليم، وظهر هذا المذهب على أنه مجرد صبغ لهذه التعاليم بصبغة دنيوية تامة، فالشقة كانت قريبة ما بين لاهوت الوحي عند مانسل، وبين عدم اكتراث سبنسر بالدين، على أن الطريقة التي استمد بها أشد المذاهب تمسكا بحرفية الدين أسلحة لنفسه من مدرسة هي من أشد مدارس الفكر تقدما، ثم عاد فحمل بها على الفكر ذاته حملة شعواء؛ هذه الطريقة كانت من الغرابة بحيث هوجمت بنقد قوي من جهات متباينة كل التباين. وقد أثار الجدل الذي احتدم نتيجة لمحاضرات مانسل المسماة بمحاضرات «بامتون
Bampton »، والذي اشترك فيه بنفس القوة فلاسفة ولاهوتيون؛
4
أثار عاصفة شديدة، وعلى الرغم من أن النتائج التي أسفر عنها لم تكن ذات أهمية كبيرة، فقد ازداد - إلى حد بعيد - اهتمام الجمهور بالمسائل التي كانت موضوع المناقشة، وأصبح الجو ممهدا لتلك النهضة الملحوظة التي بلغتها الدراسات الفلسفية بعد ذلك بوقت قصير.
وبعد هاملتن ومانسل، انحدرت الفلسفة الاسكتلندية انحدارا شديدا، ولا يوجد ضمن أولئك الذين خرجوا من المدرسة أو انتموا إليها سوى أسماء قليلة هامة تمثل المذهب في صورته الخالصة؛ إذ يظهر - حتى لدى جون د. مورل
John D. Morell (1816-1891) - ذلك الميل إلى التباعد عن التعاليم الأصلية للمدرسة، وهو الميل الذي ازداد قوة بالتدريج في المستقبل. صحيح أن «مورل» كانت له جذور عميقة في تراث المدرسة الاسكتلندية، التي تلقى فيها تعليمه الفلسفي الأول، غير أنه تعرض لمؤثرات عديدة من مدارس فكرية أخرى، وتأثر - بوجه خاص - بالمذاهب الألمانية التي عرفها لأول مرة خلال رحلة قام بها في ألمانيا وهو طالب. وقد كتب مورل - الذي كان مثل هاملتن قراءة ذا ذهن متفتح - بعض المؤلفات في تاريخ الفلسفة، منها كتابه: «نظرة تاريخية ونقدية إلى الفلسفة التأملية في أوروبا في القرن التاسع عشر
صفحه نامشخص