فلسفه هندی: مقدمهای بسیار کوتاه
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
كانت البيئة الجدلية التي تطورت مع مرور الوقت ونوقشت فيها عدة رؤى متنافسة عن العالم؛ بيئة متنوعة، وشديدة التعقيد والابتكار، ومتعددة الجوانب. وهذا يعني أنه في هذا الكتاب الذي يمثل مقدمة قصيرة جدا كان من الضروري اتخاذ قرارات صعبة بشأن الموضوعات التي سيتضمنها والموضوعات التي ستحذف منه. ومن أبرز الموضوعات التي حذفتها من هذا الكتاب الديانة الجاينية الفلسفية التي ذكرتها سالفا. وكان ماهافيرا - مؤسس الجاينية - معاصرا لبوذا، وكانت تعاليمه مبتكرة ومثيرة، وترك التقليد أثرا بالفعل على التراث الهندي الديني الفلسفي، ورغم ذلك يمكن حذف الحديث عن الجاينية دون التأثير على الفلسفة الهندية الأشمل في مجملها. وحذفت أيضا تقليد الكارفاكا، الذي كون مدرسة فكرية مادية، ولم أذكرها إلا ذكرا عارضا. وتكمن أهمية هذا التقليد في أنه كون تحديات للمدارس الفكرية المعارضة، وقدم إسهامات مثيرة لمناخ الجدل الفلسفي. ورغم ذلك، وكما هو الحال مع الجاينية، فإن حذف الحديث المطنب عن الكارفاكا لا يثير مشاكل في فهم الصورة الكاملة للفلسفة الهندية. ومن أبرز الموضوعات التي حذفتها الشيفية، وتمثل الشيفية جانبا من جوانب الفلسفة الهندية مهما ومعقدا ومؤثرا للغاية، لكنه يتضمن مجالا متشعبا للغاية ومتنوعا في ذاته لدرجة تجعل تناوله على نحو موجز للغاية لن يسهم إلا في تشويهه فحسب.
بالإضافة إلى حذف هذه التقاليد المهمة، فإن طبيعة هذا الكتاب الموجز لا تسمح بسرد مفصل للطرق التي تطورت بها كل مدرسة من مدارس الفكر الفلسفي المختلفة والطريقة التي تفرعت بها داخليا كل منها على مر الزمان، وعادة ما يكون هذا التفرع نتيجة للتفسيرات المختلفة للأفكار الأساسية والنصوص الرئيسية للمدرسة الفكرية. وكان هذا التفرع شائعا للغاية في هذا المناخ الجدلي الذي ازدهرت فيه هذه التقاليد؛ لأن أتباع كل مدرسة سعوا إلى طرق جديدة لرفض مزاعم الآخرين دون الانحراف عن مصادرهم الأساسية. وكانت طبيعة تلك النصوص تعني أيضا أن التفسيرات المختلفة لها كانت محتملة على أية حال. وفي الغالب، كان ذلك بسبب أن تلك المصادر كانت مدونة باقتضاب شديد وبأسلوب مبهم، يتطلب خبيرا أو معلما لينقل لطالبه المعنى الكامل لهذه النصوص. وأحيانا، كما في حالة المدارس الفكرية القائمة على تأويلات نصوص مقدسة تسمى كتابات الأوبانيشاد، كان سبب اختلاف التفاسير هو أن المادة النصية نفسها كانت متشعبة للغاية لدرجة أن المناهج المختلفة واختلاف الاهتمامات أدى كلاهما إلى تفسيرات مختلفة تماما في المجمل. وعندما أجد أن السمات الأساسية للفروع الكبرى للتقليد من الممكن تقديمها على نحو واضح ومختصر فإنني أقدمها في الكتاب. أما إذا أراد القارئ سردا للغالبية العظمى من التطورات المفصلة للتقليد؛ فأوصيه في هذه الحالة بالاستعانة بكتاب آخر أكثر شمولية. «التأويلات» هي تفسير المادة النصية، وقد يفسر المؤولون المختلفون النص نفسه على نحو مختلف، وهذا يعني أن كلا منهم قد يزعم معنى مختلفا للنص نفسه أو للفقرة نفسها، وهذا يؤدي إلى أن يستنتجوا، فيما بعد، تفسيرات شديدة الاختلاف أحيانا من المصدر الأساسي نفسه.
أما ما يركز عليه الكتاب فهو أولا سرد للفترة التي بدأ خلالها التراث الديني الفلسفي الهندي على نحو محدد الملامح، وكان ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد، ويركز أيضا على السمات الرئيسية للأفكار والممارسات السائدة في ذلك الوقت. ويناقش الكتاب السبب الذي جعل موضوعات معينة تبدو ذات أهمية حتمية لمدارس فكرية معينة، وهذا يساعد في معرفة السياق الذي جعل المدارس الفكرية المختلفة إما تركز على أمور مختلفة أو تتشارك الاهتمام بالعوامل المشتركة عند تفسيرها على نحو مختلف. وهذا يمهد الطريق لفهم كيف ولماذا أصبح الجدل محوريا في طريقة ازدهار التقليد لاحقا. وسوف نرى أيضا الغرض من الجدل، ونقاط الجدل والخلاف، وطريقة وضع المعايير المنهجية للجدل، وأهمية أن يطرح كل تقليد حجته.
ويقدم النقاش التالي ترتيبا زمنيا عاما للأفكار المطروحة؛ كي يمكن أن تفهم التطورات في سياقها. أما التقاليد والمدارس الفكرية القديمة التي يناقشها الكتاب على نحو مفصل فهي ديانة الفيدا القربانية والأفكار والممارسات المدونة في كتابات الأوبانيشاد القديمة. ولا تعد ديانة الفيدا القربانية والأفكار والممارسات المدونة في الأوبانيشاد «الذراعين» - إن جاز التعبير - لدين كهنة البراهما في الهند القديمة فحسب، بل هما أيضا تمثلان المصدر الأساسي للعديد من المدارس الفكرية الفلسفية التالية، وتمثلان أيضا الأساس الذي قامت عليه الحاجة إلى وضع أساسيات للجدل الفلسفي. علاوة على ذلك، فقد عارض الآخرون المرجعية المهيمنة التي أسسها هذا التقليد منذ وقت مبكر، وقدم هؤلاء أفكارا وتعاليم معارضة له. وكان بوذا من أشهر هؤلاء المعارضين، وقد عاش لمدة ثمانين عاما خلال القرن الخامس قبل الميلاد. ونظرا لقلة تواجد البوذية في الهند في الوقت الحاضر، وعدم تواجدها في الوقت الذي أطلق فيه على التقاليد الدينية في الهند مصطلح «الهندوسية»؛ فإن دور البوذية في التراث الديني الفلسفي الهندي ككل في الغالب لا يلقى تقديرا. ازدهرت البوذية في الهند، ومنذ البداية لعبت دورا مهما على قدر هائل ومؤثرا أيضا في تحدي وجهات نظر الآخرين وتطوير أفكار مختلفة. ولاقت البوذية بدورها انتقادا شديدا من قبل الآخرين. وتوجد في الكتاب فصول مخصصة للتحدث عن كل من الفترة الأولى للبوذية والطريقة التي قدمت بها الأفكار البوذية لأول مرة، والتطورات المنهجية أكاديميا وفلسفيا في الفكر البوذي التي ظهرت على مدار القرون التالية.
ومع مرور الوقت، غلب الطابع المنهجي واضح المعالم على العديد من المدارس الفكرية التي ترتبط أصولها وعلاقاتها، بطريقة أو بأخرى، بالتراث الفيدي الأوبانيشادي للبرهمية ارتباطا مباشرا. وأصبحت ست من هذه المدارس الفكرية هي السائدة، وأصبحت تعرف باسم الأنواع الستة الكلاسيكية لفلسفة الدارشانا الهندية. وفي أغلب الأحيان يطلق عليها مدارس الدارشانا «الهندوسية» الست، وعلى الرغم من أن استخدام مصطلح «الهندوسية» في الإشارة لهذه المدارس الست يعد مغالطة تاريخية فضلا عن أننا لن نستخدمه في هذا الكتاب؛ فإنه يفيد في تمييز تلك المدارس عن التراث البوذي وغيره من التقاليد الأخرى، مثل الجاينية، التي لا تشترك معها في السلالة المباشرة نفسها. أما ما جعل البوذية والجاينية نوعين منفصلين من التراث في حد ذاتهما فهو رفضهما الصريح والتام لسلطة وتعاليم كهنة البرهمية والمزاعم التي قالها كهنة البرهمية حول مكانة مصادرهم الأولية. وعلى النقيض من البوذية والجاينية، نجد أن أصحاب مدارس الدارشانا الست، على الرغم من انخراطهم في المحاجة والجدل وتقديم تعاليم ووجهات نظر تختلف أحيانا اختلافا كبيرا، قبلوا الهيمنة البرهمية؛ ومن ثم ظلوا تحت مظلتهم.
علم الوجود
يهتم علم الوجود بالموجودات؛ فهو يتعلق بالأمور الموجودة، ويمكن أن يكون جوابا على كافة المستويات من المستويات بالغة الصغر وحتى بالغة الكبر على سؤال: ماذا يوجد؟ ومهما كانت طريقة المرء في تناول الموضوعات الوجودية (ماذا يوجد؟) فالهدف هو إثبات «حالة وجود» الشيء الموجود، ويطلق على ذلك «الحالة الوجودية». فإذا تأمل المرء، على سبيل المثال، حديقة رآها في الحلم وأخرى في المتجر الذي يتسوق منه، فمن الممكن أن يرى المرء بسهولة أن كلتيهما لديها حالة وجود مختلفة؛ فالحالة الوجودية مختلفة. وبالمثل ، فالواحة التي يراها المرء في السراب حالتها الوجودية مختلفة عن الواحة التي يمكن أن يحدد المرء موقعها على الخريطة. فأي شيء موجود له حالة وجودية، ولا يشترط أن تكون هذه الحالة واضحة على الفور؛ فأثناء الحلم وأثناء تجربة السراب تبدو الحالتان الوجوديتان للحديقة والواحة مماثلتين لحالتيهما الوجوديتين عند رؤيتهما في المتجر أو على الخريطة، أما في واقع الأمر فإن وضعهما مختلف، ويمكن أن يفهم هذا الاختلاف في ضوء الحقيقة أو الواقعية. إن حديقة المتجر «أكثر واقعية» من الحديقة المرئية في الحلم، والواحة المبينة على الخريطة «أكثر واقعية» من الواحة المرئية في السراب، لكن الحديقة في الحلم وواحة السراب لديهما أيضا نوع من الواقعية أو الحالية؛ فالمرء يشعر «أنهما واقعيتان»، وفقط من خلال الإدراك المتأخر يمكن للمرء أن يدرك أنهما «أقل واقعية» من الحديقة والواحة المرئيتين في المتجر وعلى الخريطة. أما في سياق رؤية العالم أو النظام الفلسفي، فالحالة الوجودية هي ما تحدد الأمر الموجود في الواقع - حتى لو كنا لا نستطيع رؤيته على الفور - دون الارتباط بالتفسيرات الخاطئة المحتمل أن نأتي بها كما فعلنا في حالة الحلم والسراب. وعلى مدار العصور في الشرق والغرب، قدم الكثير من الحالات الوجودية المختلفة، وبعض هذه الحالات أقر أن ما نراه هو الموجود في واقع الأمر؛ والبعض الآخر قال إن حالة اليقظة العادية تشبه حالة الحلم، وإن الموجود فعلا يختلف عن ذلك.
يطلق على أنظمة الدارشانا الستة الكلاسيكية التي يتناولها الكتاب: نيايا، فايشيشيكا، يوجا، سانكيا، ميمانسا، فيدانتا. وجرت العادة على التعامل مع هذه الأنظمة الستة على أنها ثلاثة أزواج، كل زوج منها يتسم بسمات أساسية متوافقة أو متشابهة؛ فنجد أن الزوج الأول المتمثل في نيايا وفايشيشيكا يتشارك في الحالة الوجودية (انظر المربع السابق) التي يقدمها النظام الثاني (فايشيشيكا) وتتوافق معها طريقة الأول (نيايا)؛ ونجد أن الزوج الثاني المتمثل في يوجا وسانكيا يتشارك إلى حد كبير في الحالة الوجودية التي يقدمها النظام الثاني (سانكيا)، ومرة أخرى يتوافق معها منهج الأول (يوجا)؛ والزوج الثالث هو ميمانسا وفيدانتا، ويتشاركان في المنهج التأويلي للأجزاء المختلفة من صلب المادة النصية نفسها، التي ينسبان إليها نفس الحالة الأساسية. ويتبع الكتاب هذا الأسلوب التقليدي المتمثل في تقسيمها إلى أزواج، ويخصص فصولا منفصلة لكل زوج. ورغم ذلك، فعندما يكون الأمر مناسبا من ناحية الترتيب الزمني، فسوف تضم الفصول إشارات إلى مراحل رئيسية في التقاليد الأخرى؛ كي يظل القارئ مستوعبا كيف تطورت المدارس الفكرية المختلفة من خلال تفاعل بعضها مع بعض.
الفصل الثاني
البدايات البرهمية
صفحه نامشخص