فلسفه هندی: مقدمهای بسیار کوتاه
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
كان يشار إلى الفلسفة الهندية قديما باسم «دارشانا»، وهذا المصطلح نفسه يعطينا إشارة إلى رؤية العالم والإطار التصوري اللذين تعمل الفلسفة الهندية خلالهما، فالمعنى الحرفي لمصطلح «دارشانا» هو «الرؤية»؛ أي امتلاك «البصيرة» المعرفية لشيء، أما المعنى الضمني الذي ينطوي عليه هذا المصطلح فهو أن ما «يرى» أو «يبصر» هو حقيقة طبيعة الحقيقة، وهذا يوضح أن فهم طبيعة الحقيقة هو هدف الفلسفة في الهند. وكان يشار إلى المعلمين الأوائل المرتبطين بأنواع محددة من فلسفة الدارشانا باسم «ريشي»؛ وتعني «الناظرين».
ومن هذا المنطلق فإن مصطلح «دارشانا» يشير أيضا إلى شيوع التسليم بأن البشر قادرون على اكتساب رؤية فعلية، بمعنى معرفة تجريبية للحقيقة الميتافيزيقية؛ فالبصيرة، أو الحكمة، لا تقتصر في الفكر الهندي على المعرفة الفكرية. وبينما يلعب النقاش العقلاني والنقاش الفكري دورا غاية في الأهمية في الفلسفات الهندية - في بعضها على حساب بعض العوامل الأخرى تقريبا - فإنه من المقبول أيضا في هذه الفلسفات اعتقاد أنه من خلال تمارين الضبط الذهني مختلفة الأنواع يمكن أن يتحسن الإدراك المعرفي للمرء وأن يتغير، بحيث يستطيع المرء الرؤية بطرق تفوق ما يستطيع رؤيته «على نحو طبيعي». وسوف نرى أن أنواعا محددة من الدارشانا تقوم تعاليمها وحججها على ما أقره الناظرون القدماء من واقع رؤاهم الماورائية، وتعتبر شهادة هؤلاء الناظرين صحيحة على نحو مطلق؛ صحيحة كما لو كان المرء رآها بنفسه، أو كما لو كانوا توصلوا لهذه الفكرة عن طريق النقاش المنطقي وحده. وبالنسبة للأنواع الأخرى من الدارشانا، ترى أن الهدف من تعليم الدارشانا هو أن كل من يتبعها يجب أن يكون قادرا بنفسه على «رؤية» الحقيقة. ومن الناحية النظرية، يعتقد أن القدرة على اكتساب بصيرة ميتافيزيقية هي سمة بشرية عامة، ولا تعني أن الأشخاص الذين يزعمون اكتسابها يعتبرون خارقين بأي حال. إن إعادة توجيه الملكات المعرفية، كي تصبح هذه البصيرة ممكنة، هي السبب وراء ممارسة اليوجا، ويطلق على البصيرة الناتجة عنها الإدراك اليوجي.
هذه من أكبر الاختلافات بين رؤية العالم التي يقوم عليها الفكر الهندي وبين رؤية العالم لدى الغرب، وربما هذه هي نقطة الخلاف التي يجدها الغربيون من أصعب النقاط من حيث إمكانية التفهم، وربما بسببها يميل فلاسفة الغرب إلى التركيز فقط على الجوانب الأخرى من الفلسفة الهندية المتعلقة بموضوعات النقاش المنطقي، وربما أسهمت هذه النقطة أيضا في جعل الآخرين ينسبون صفات سحرية أو صوفية للفكر الهندي. ورغم ذلك، وفقا لرؤية العالم من المنظور الهندي، فإن إمكانية تغيير الإدراك المعرفي للفرد هي أمر يعتبر ممكنا من الناحية المنهجية، من خلال تمارين الضبط الذهني المنتظمة على نحو لا يختلف إطلاقا عن الاكتساب المنهجي للقدرة على العزف على إحدى الآلات الموسيقية؛ فكلتا العمليتين تتطلب مثابرة وممارسة طويلة الأجل، وتتضمن إتقان جوانب عديدة من التنسيق البدني والذهني، ولا يوجد أي شيء سحري في كلتا العمليتين؛ فكلتاهما تعتبر مهارات.
الكارما والميلاد المتكرر
الكارما والميلاد المتكرر من السمات المميزة لرؤية العالم في الفلسفة الهندية، والكارما مشتقة من الكلمة السنسكريتية «كارمان»، ومعناها الحرفي «الفعل». وتوحي طريقة استخدام المصطلح بوجود عواقب لكل فعل، وتشير الكارما إلى آليات عواقب الفعل التي تعد أحد قوانين الطبيعة. والمصطلح نفسه حيادي، لكن الثقافات باختلاف أنواعها تربط القيم بهذا المصطلح بطرق مختلفة. وعلى نحو مشابه، يختلف مركز آلية عواقب الفعل باختلاف الثقافات. أما عن أسباب ارتباط كلمة كارما بعواقب الفعل، فهي مرتبطة بطقوس تقديم القرابين؛ إذ كان يعتقد أن القيام بتقديم القرابين يحقق عواقب محددة بعينها تجعل الكون يسير على أفضل وجه. وكانت الأفعال الشعائرية المرتبطة بها عواقب معينة إما مادية أو لفظية (فقد كان يعتبر إصدار الأصوات «فعلا» من الأفعال)، وكانت الدقة ضرورية كي تكون الآليات فعالة. وعلى هذا النحو، فالذي كان يجعل أحد الأفعال سليما أو صالحا هو دقته، وكانت القيم المرتبطة بهذا الفهم للكارما ليست قيما متعلقة بالأخلاقيات.
وفي القرن الخامس قبل الميلاد، بالإضافة إلى الفهم السابق للكارما، ساد أيضا مبدأ يقول إن عيش المرء لحياته وفقا للواجبات التي يذكرها المعلمون الدينيون - «تنفيذ» الواجبات التي تشمل أداء طقوس القرابين ولا تقتصر عليها - سوف يكون ذا نتائج نافعة للمرء. وعند هذه المرحلة أصبحت الكارما مرتبطة بفكرة الميلاد المتكرر؛ إذ ساد الاعتقاد بأن العواقب الإيجابية أو السلبية لطريقة أداء الفرد لواجباته قد تلحق به في أي حياة من حيواته الكثيرة المستقبلية، التي تتحدد حالة كل منها على هذا النحو. وفيما يتعلق بالكارما كفعل شعائري، فإن ربط العواقب بأداء الواجبات الموصوفة حمل أيضا معيار قيمة الدقة وليس قيمة الأخلاق. وفي مرحلة لاحقة من تطور هذا الفرع من التراث الديني الهندي تأكدت هذه النقطة، عندما كرر معلمون مهمون قول إنه من الأفضل للمرء أن ينجز واجباته على نحو سيئ بدلا من أن ينجز واجبات غيره على نحو جيد؛ وإنه من الأفضل بلا شك أن يقوم المرء بواجبه، بغض النظر عن أن ذلك الواجب قد يبدو غير أخلاقي، بدلا من إهمال إنجازه بسبب مبدأ أخلاقي.
ومن ضمن التفسيرات الأخرى لآلية عمل الكارما التي كانت تعلم في القرن الخامس قبل الميلاد؛ تفسيرات الجاينيين والبوذيين؛ فقد قال الجاينيون إن كل الأفعال - التي صنفوها إلى لفظية ومادية وذهنية - تسبب جزيئات مادية تلتصق بروح الشخص، وتثقلها وتجعلها تبعث باستمرار في دائرة الميلاد المتكرر. ونظرا لأن الجاينيين آمنوا أيضا بضرورة سعي المرء لتحرير روحه من مأزق الولادة المتكررة، فقد تضمنت تعاليمهم أن كل الكارما هي كارما سيئة، وأنه لا يمكن أن توجد عاقبة «جيدة» لفعل ما. على النقيض من ذلك، يرى بوذا أن عمل الكارما أخلاقي في الأساس؛ إذ إن ما يأتي بالعاقبة هو نية المرء. وقال بوذا فيما يتعلق بالكارما إن نوايا المرء «هي» أفعاله، فليس المهم هو ما يفعله المرء خارجيا وظاهريا، بل المهم هو حالته الذهنية؛ ولذلك في هذا الصدد لا تكمن آلية الكارما فيما يقصد عادة ب «الأفعال».
وعلى هذا النحو فإن الكارما هي تطبيق لآليات امتلاك أي فعل لعواقب. وعلى الرغم من اختلاف تفسيراتها في المدارس الفكرية المختلفة فإنها تعد جزءا أساسيا من الرؤية الهندية للعالم في العموم، يلقى قبولا من الجميع باستثناء مدرسة فكرية صغيرة نسبيا تضم الماديين المتطرفين. ومنذ القرن الخامس قبل الميلاد، أصبحت فكرة الكارما مرتبطة عموما بمعتقد أن الأفراد يشهدون ولادات متكررة متعاقبة. وتعمل آلية امتلاك أي فعل لعواقب بمثابة الوقود الذي يؤدي إلى استمرار الميلاد المتكرر، وترتبط الظروف المميزة لكل ولادة جديدة بتفاصيل الأفعال في الحيوات السابقة.
ومن الضروري أن نفهم هذا الجانب في الرؤية الهندية للعالم؛ والسبب الأساسي لذلك هو طريقة ارتباط الكارما برؤية طبيعة الواقع الحقيقية. وتقول معظم أنظمة الفكر الهندية إن اكتساب تلك الرؤية يؤدي إلى تحرير الفرد من استمرار الكارما. وهذا هو الهدف والغرض الأساسي من مهمة الفلسفة، وهو أيضا السبب الذي يجعل «الفلسفة» مرتبطة ب «الدين». وعند تقديم الدارشانا «لرؤيتها» للحقيقة، يكون كل نوع منها كما لو كان يصف الحقيقة التي سوف «يراها» ممارسو هذا النوع من الدارشانا. وأهمية الهدف من فلسفة الدارشانا - الذي يسميه الغربيون «الخلاص» - تفسر لماذا تعتقد كل المدارس الفكرية أنه من المهم للغاية تحقيق التجانس والصحة والكفاءة في تعاليمها.
التعقيد والتنوع: اختيار محتوى الكتاب
صفحه نامشخص