فلسفه هندی: مقدمهای بسیار کوتاه
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
شيء يهم كلا من الدين والفلسفة
تتعلق «الميتافيزيقا» (ما وراء الطبيعة) بطبيعة الحقيقة ككل؛ فهي تتساءل عن طريقة تكوين الحقيقة في الأساس، وعن أنواع وطبيعة المكونات التي قد تكون موجودة، وعلاقة بعضها ببعض. ومن الموضوعات المهمة فيها: العالم/الفضاء/الكون؛ البشر، وغيرهم من الكائنات، والسببية. «إبستيمولوجيا» (مشتقة من الكلمة الإغريقية «إبستيمي»، وتعني «المعرفة») تهتم بوسائل المعرفة، وتتضمن وسائل المعرفة الشائعة: النقاش المنطقي أو التفكير، والاستنتاج، والشهادة، والإدراك الحسي.
وفيما يخص النقطة الثانية المذكورة آنفا المتمثلة في أنه لم يوجد دائما ذلك الفصل واضح المعالم بين ما هو دين وما هو فلسفة؛ فلقد بدأ التراث الفلسفي الغربي في اليونان في فترة ما قبل المسيحية، في مكان وزمان كان فيهما كثيرون يسعون إلى معرفة المزيد عن طبيعة الحقيقة، وكان الهدف والغرض من ذلك آنذاك تحقيق الحكمة في هذا الصدد، وأي معلومة ذات علاقة بحقيقة الحقيقة كانوا يرونها في ضوء اكتساب الحكمة؛ ومن ثم أصبحت الفلسفة هي «حب الحكمة». ولم تكن الفلسفة تتضمن أي مفهوم متعلق بالسوتريولوجيا كما نفهمها، ورغم ذلك، فإن الافتراضات المختلفة المتعلقة بطبيعة الحقيقة التي قدمها الفلاسفة الإغريق القدماء شملت موضوعات يمكن أن نجدها أيضا جزءا من التعاليم الدينية. لقد شغلوا أنفسهم بطبيعة العالم والبشر، وأهمية سعي البشر وراء الحصول على الحكمة، ورأوا أن هذا هو أسمى نشاط ممكن للبشر، وأنه من الضروري أن يطمح إليه البشر، إذا أمكن ذلك. وقدم البعض أيضا - لا سيما سقراط - اقتراحات حول كيفية الجمع بين السعي وراء الحكمة وعيش حياة جيدة على نحو مثالي.
وبعد الإغريق، ظلت الفلسفة الغربية في الحقبة المسيحية واقعة لقرون عديدة تحت سيطرة أشخاص كانوا أيضا غاية في التدين، وكانوا يسعون لفهم المزيد عن «عالم الرب». وكان الفلاسفة أصحاب القدرة الهائلة على الاستبصار والتأثير العظيم، أمثال أوغسطين وأنسلم وتوما الأكويني وديكارت وهيجل، كلهم مسيحيين ممارسين للشعائر، وسعوا لحل المشاكل الدينية والفلسفية بدلا من الفصل بينها. وفي حين أن اهتمامات هؤلاء المفكرين العظماء كانت واسعة النطاق للغاية، فقد كان من الموضوعات ذات الأهمية الكبيرة بالنسبة لهم كيفية وجود الرب ضمن منظومة الحقيقة. لقد كان وجود الرب، كما هو مفهوم في التراث المسيحي، مقبولا كحقيقة بديهية باعتباره عقيدة راسخة، لكن هؤلاء الفلاسفة حاولوا أيضا إثبات وجود الرب بالاستعانة بالنقاش العقلاني؛ وبهذه الطريقة سيصبح الإيمان متوافقا مع العقل بدلا من أن يكون متناقضا معه. وقالوا أيضا - لا سيما ديكارت - إن طبيعة الرب تتمثل في أنه يمكن للمرء أن يعتمد بأمان على مساعدته وحدها في التغلب على جوانب القصور في التفكير. بذلك انضم الإيمان إلى التفكير في السعي الهادف للفهم، وبالفعل وسع نطاق احتمالات الفهم. لقد كان هؤلاء الفلاسفة واعين جيدا لما يفعلون، لكنهم ظنوا أن طريقتهم طريقة مشروعة تماما، وكان أول فيلسوف في الغرب المسيحي يشكك جديا في مشروعية الخلط بين الإيمان والتفكير في السعي وراء المعرفة هو كانط، وأكد كانط على أن ما يمكن للمرء أن يعرفه معرفة يقينية يقتصر تماما على ما يمكن تأكيده من خلال التفكير، وأن هذا لا يشمل أي شيء له علاقة بالرب. وكان كانط - بصفته مسيحيا ورعا - مؤمنا بوجود الرب، ورغم ذلك، فصل هذا الإيمان بالرب عن المنطق الفلسفي، وقال إن المرء لا يمكنه أبدا الوصول لمعرفة يقينية عن المسائل الإيمانية، وإن هذه المسائل كانت وستظل دائما معتقدات، وإن المعرفة اليقينية تخص الفلسفة.
وبهذه الطريقة يزعم التراث الفلسفي الغربي في الوقت الحاضر أنه يهتم فقط بالمعرفة اليقينية ويحقق فقط في تلك الموضوعات التي يمكن التفكير فيها من خلال أساليب النقاش المنطقي. وأصبح هذا المعيار المنهجي مفروضا على نحو صارم، لدرجة أنه منذ أوائل القرن العشرين لم يشغل غالبية الفلاسفة أنفسهم بأسئلة ميتافيزيقية كبيرة مثل: ماذا يوجد هناك؟ وما الموجود؟ وما الحقيقة المطلقة فيما يتعلق بطبيعة الحقيقة؟ ويقول البعض إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة تتضمن استنتاجات تخمينية للغاية على نحو يجعلها غير مقبولة على نحو آمن ضمن حدود الفهم الممكن؛ ولذلك من الأفضل الإعراض عن تلك الموضوعات. وقال البعض الآخر إن الأسئلة المتعلقة بأي شيء قد يتجاوز التجربة البشرية التجريبية هي أسئلة عبثية بطبيعتها. وعلى هذا النحو يبدو أن الفلسفة الحديثة تشغل نفسها بالأسئلة المفصلة والتقنية المتعلقة بكافة أنواع التحليلات المنطقية واللغوية. أما الموضوعات على شاكلة الأخلاقيات والخير التي ناقشها الفلاسفة الأوائل في سياق الطريقة التي يجب أن يعيشوا بها حياتهم أثناء سعيهم إلى الحكمة أو الفهم، فتتناولها الفلسفة المعاصرة وتناقشها باعتبارها مجردات فكرية. وأصبحت الفلسفة الاحترافية منفصلة عن السعي الشخصي، وبالنسبة للكثيرين أصبحت الفلسفة في حد ذاتها مفهومة فقط بهذا المعنى الحديث.
عند تناول أصول وتطور التراث الفلسفي الهندي، يحتاج المرء إلى فهم دور الفلسفة بقدر أكبر بمعناها التقليدي أو الأصلي، كما ذكرنا في السابق، بدلا مما أصبح مفهوما عنها في العصر الحديث. وتعنى الفلسفة في الهند بالسعي إلى فهم طبيعة الحقيقة. علاوة على ذلك، فالهدف من القيام بذلك هو اعتقاد أن فهم الحقيقة له أثر عميق على مصير الفرد. ويعد هذا الهدف سوتريولوجيا على نحو مباشر بالنسبة للبعض، بينما يراه البعض الآخر غير ذي صلة بالسوتريولوجيا، لكنه بالنسبة للجميع مهمة روحية ونشاط مرتبط بالتراث الديني. وفي واقع الأمر، فإن الفصل الذي نتحدث عنه بين الدين والفلسفة لم يكن مفهوما في الهند حتى الفترات الأخيرة، عندما بدأت الإرساليات الغربية وبدأ الأكاديميون الغربيون في الفصل الجبري بين السمات المختلفة للموروثات الهندية من أجل أن تصبح مقبولة على نحو أيسر ضمن إطار التصور الغربي.
وقبل تناول بعض ملامح الإطار الهندي بمزيد من التفصيل يلزم توخي الحذر مما يلي: ربما بسبب التداخل بين الفلسفة والدين في الهند يوجد ميل في الغرب إلى اعتبار الفكر الهندي «صوفيا» بل «سحريا»، على النقيض من «عقلانية» الغرب، وهذا خطأ؛ فهذه النظرة جاءت من إضفاء صورة خيالية على الأنظمة الفكرية التي نشأت في مكان آخر وقدمت نفسها على نحو مختلف، فضلا عن نعت كل ما هو غير مألوف بالغرابة والشذوذ. ويوجد في واقع الأمر تراث قوي من النقاش العقلاني في الهند، وكان هذا التراث مهما لمناصري الأنظمة الفكرية المتعددة في الهند مثلما كان مهما لفلاسفة الغرب الكبار.
عندما يتناول الغربيون التراث الهندي لأول مرة، سواء أكان مقصدهم دينيا في الأساس أم فلسفيا، فإنهم يواجهون مشكلتين متساويتين ومتناقضتين؛ تتمثل الأولى في إيجاد شيء قابل للإدراك وسط هذه التعددية المحيرة على نحو واضح، وتتمثل المشكلة الثانية في عدم فرض مثل هذا القيد على المادة بحيث نغفل جوانب مهمة في هذه التعددية. والمثال التقليدي للمشكلة الثانية هو «الهندوسية»؛ فبسبب هذا الاسم (الهندوسية) توقع الغربيون وجود فكرة موحدة مثلها مثل بقية «المعتقدات» الأخرى، وظلوا في حيرة مما وجدوا، إلى أن اكتشفوا أن الهندوسية هي مصطلح أطلق في القرن التاسع عشر على مجموعة أنظمة فكرية معقدة ومتعددة للغاية، وكان من أطلقه هو غيرهم من الغربيين الذين لم يقدروا ذلك التعقيد. فكر في المنطقة التي تغطي أوروبا والشرق الأوسط في وقت بداية التقويم الميلادي، وافترض أن غرباء أطلقوا مصطلحا واحدا على «دين» هذا الزمن وهذه المنطقة. هذا التصور سوف يعطي فكرة عما حدث عندما أطلق على «دين» الهند اسم الهندوسية، وعدد الأمور اللازم تفسيرها كي نفهم هذا التراث وفقا لمفاهيمه الخاصة.
لكن مثلما يتشارك الكثير من جوانب دين وفكر أوروبا والشرق الأوسط في أصول وموضوعات وأنظمة معينة، ومثلما تتشارك إلى حد كبير في رؤية العالم والإطار التصوري؛ فإن الأمر نفسه ينطبق على الهند؛ ومن ثم فما يجب على المرء فعله لفك هذا التعقيد وجعله قابلا للإدراك هو العثور على تلك الأصول والموضوعات والأنظمة المشتركة، وأن يألف رؤية العالم والإطار التصوري اللذين يدور في فلكهما الفكر الهندي. ولحسن الحظ فإن الهند لديها فترة تعد نظيرة للفترة الإغريقية القديمة، وتلك هي الفترة التي بدأ فيها التراث الفلسفي الهندي. وعلى الرغم من أن المفكرين الهنود القدماء كانوا يستعينون حتى بأفكار وتصورات أكثر قدما ويطورونها، وبعض هذه الأفكار والتصورات معروفة لنا، فإنه خلال القرن الخامس قبل الميلاد بدأت مدارس فكرية يمكن تحديدها على نحو واضح في اعتراف بعضها ببعض، والتفاعل والجدل والسعي إلى تفنيد الرؤى، والاندماج في بعض الأحيان. وبداية من هذه الفترة عاشت المناهج المختلفة جنبا إلى جنب، وظل بعضها داخل إطار التراث الذي أطلق عليه الغربيون بعد ما يقرب من ألفي سنة اسم «الهندوسية»؛ اعتمادا على فهمهم القديم له، والبعض الآخر أسس تعاليم أخرى مثل البوذية والجاينية. وستكون هذه الفترة القديمة موضوع الفصلين الثاني والثالث.
استبصار الحقيقة
صفحه نامشخص