ولقد كان جيمس يحب الحياة، بكل ما فيها من كثرة وتعقد وإمكانيات تتحدى الإنسان، حبا يندر أن نجد له بين الفلاسفة نظيرا. ومن ثم فقد رأى أن أية نتيجة فردانية للبحث الميتافيزيقي كذلك التي اقترحها هيجل إنما هي تجديف في حق الحياة.
والواقع أن تفكير جيمس يمثل التعددية الحديثة أصدق تمثيل، من حيث إن اهتمامه بالجوهر (أو الجواهر) الذي يكون الواقع، أقل من اهتمامه بتركيبه. فالتعددي المعاصر لا يسأل - على الأرجح - هذا السؤال: «ما مادة العالم أو موارده؟» وإنما هو يسأل: «كيف ينظم الوجود النهائي؟» ويعتبر أدق، فإن التعددين المحدثين يهتمون أساسا بالعلاقات بين مختلف أجزاء تجربتنا، بدلا من أن يبحثوا عما يفترض أنه كامن من وراء تلك التجربة.
ما العلاقات؟
إن لفظ «العلاقة»، كما يستخدم في الفلسفة، لفظ يصعب على الطلاب فهمه عادة. ولما كانت التعددية الحديثة نظرية في العلاقات إلى حد بعيد، فمن المنطقي أن نقوم بإيضاح هذا اللفظ الهام قبل أن نمضي في طريقنا أبعد من ذلك. فلنتأمل موقفا بسيطا مألوفا في كل فصل دراسي، لا يتضمن إلا شيئين: كتابا، ودرجا. ولنبحث في كل العلاقات التي يمكن أن توجد بين الاثنين، بادئين بالعلاقات المكانية الخالصة. فمن الممكن أن يكون الكتاب على الدرج، وفي الدرج، وتحت الدرج، وفوق الدرج، وإلى جانب الدرج، ووراء الدرج ... إلخ. فإذا توسعنا قليلا في مفهوم العلاقة، مع بقائنا في مجال المكان، وجدنا أن الكتاب يمكن أن يكون أصغر من الدرج، وأخف من الدرج، إلخ. وإذا أضفنا العلاقات الزمانية، فقد يكون الكتاب أقدم من الدرج أو أحدث منه. وإذا مضينا أبعد من ذلك في ميدان القيم (الاقتصادية وغيرها)، وجدنا أن الكتاب قد يكون أرخص من الدرج، أو أندر من الدرج، بل أهم من الدرج.
كل هذه الجمل تعبر عن علاقات ، كما هي الحال في كل قضية في اللغة. وقد يكون مما يعيننا على الفهم أن نتذكر أن لفظ «العلاقة
Relation » ولفظ «نسبي
Relative » مشتقان في اللغة الإنجليزية من أصل واحد. فكما قارنا بين شيئين أو أكثر، أو حددنا موقع شيء (من حيث المكان أو الزمان أو القيمة) بالنسبة إلى شيء آخر أو أشياء أخرى، كنا نشير بذلك إلى علاقات. وواضح أن كثيرا من أهم أحكامنا هي من هذا النوع العلائقي، وأن الاتصال بين البشر لا يمكن أن تكون له إلا أهمية ضئيلة بدون حروف الجر. ومما قد يفيد القارئ، في الفقرات التالية التي سندرس فيها موضوع العلاقات بوصفه موضوعا يهتم به المذهب التعددي - وهو جزء معترف بصعوبته في الفلسفة الحديثة - أن يحتفظ بقائمة من حروف الجر المألوفة في متناول يده لكي يتذكر معنى «العلاقات»: في، على، تحت، من، إلى جانب، إلى، وهلم جرا ...
نظرية العلاقات الداخلية : ينظر المثالي المطلق إلى الكون وإلى الواقع النهائي، كما رأينا من قبل، على أنه كل عضوي، يكون كل شيء فيه جزءا من كل شيء آخر، وجزءا لا يتجزأ من الكل، وسوف يزداد فهمنا لهذا النوع من المثالية وضوحا إذا أكدنا فكرة «العضوية» أكثر مما نؤكد فكرة «الكلية». والواقع أن الطابع الموحد، المتكامل، المترابط للكون هو الذي يكون أهم مميزاته، لا أي طابع فرداني يتسم به.
ومن الواضح أن العلاقات، في مذهب كذلك الذي يقترحه المثالي المطلق، لن تكون فقط علاقات متبادلة، بل هي أيضا علاقات داخلية. والواقع أن نظرية العلاقات الداخلية هذه، وهي النظرية الأساسية لكل مثالية فردانية، هي التي تميزها على نحو قاطع من التعددية، ما دام التعددي يرى كل العلاقات خارجية بالنسبة إلى الأشياء التي تربط بينهما هذه العلاقات. فالعلاقة، بالنسبة إلى المذهب الفرداني، ينبغي أن تكون علاقة بين جزء والكل الذي ينتمي إليه، أو بين الأجزاء الداخلية في كل - على شرط أن ينظر إلى هذه الأجزاء على أنها منتمية إلى الكل، لا على أنها تقف بمعزل عنه. وهكذا فإن نفس مفهوم العلاقة ينطوي ، في مذهب فرداني كمذهب هيجل، على فكرة الكل العضوي؛ أي إن «الارتباط في علاقة، أو الانتساب
Wholeness » يفترض «الكلية
صفحه نامشخص