فلسفه آلمانی: مقدمهای بسیار کوتاه
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
إذا كان يمكن للفلسفة حقا أن تقدم وصفا لشروط إمكان المعرفة، فستكون فرعا معرفيا متصدرا المرتبة الأولى، بينما ستكون العلوم الجزئية فروعا معرفية في المرتبة الثانية. ومن ثم، تحاول الكانطية الجديدة إرساء مكانة الفلسفة عن طريق التأمل في قضية «شروط الإمكان». ومفهوم أن التفكير يعمل بالضرورة بمفاهيم سابقة ليس استثنائيا، لكن هل هذه الهياكل اللازمنية تخص جميع الكائنات العاقلة، أم هي تقييمات مولدة اجتماعيا؟ وإذا كانت الثانية، فهل تظل ثابتة، أم تتغير بتغير الظروف؟ وكيف يتصل الفكر الذي يحدد الشروط المسبقة بالشروط المسبقة نفسها، دون إطلاق دعاوى دوجماتية ودون الانتهاء إلى تسلسل من الشروط المسبقة؟ ولماذا، على الرغم من ذلك، لا نسقط النظريات الفلسفية البالية ونعتمد على علم يمكن تبريره؟ هذه الأسئلة كانت ستحظى بجواب لو كان ثمة أساس يحدد مكانة الفلسفة، سواء كان هذا الأساس هو الذات المتعالية أم حقائق العلم المؤكدة على أفضل وجه. (يقود التساؤل الأخير بعض المفكرين إلى الفكرة المختلف عليها كثيرا في ضرورة اكتشاف شروط المعرفة عن طريق علم النفس.) ويبدأ أحد جوانب هذا الانفصام بالذات كأساس، في حين يبدأ الآخر بالموضوع. ويعكس هذا الموقف الذي أدى بهيجل إلى محاولة تفادي أي أساس ذاتي أو موضوعي «مباشر»، ولسبب ما اتجه فيندلباند في حياته المهنية فيما بعد نحو الهيجلية التي كان يزدريها سابقا.
ولأن العلوم الفيزيائية تقدم مزيدا من الإجابات القابلة للاختبار لما كانت ولا تزال أسئلة فلسفية، فإن العلوم الإنسانية «الإيديوجرافية» قد تبدو فاقدة للدقة «العلمية»؛ ومن ثم يطالب فيلهيلم دلتاي (1833-1911) ب «نقد العقل التاريخي»، الذي سيؤسس مناهج لإنصاف تفرد الظواهر الثقافية. ومع ذلك، ذهب آخرون إلى رؤية الحقيقة فقط من حيث ما يمكن إثبات صحته تجريبيا في العلوم، مستثنين علم الأخلاق وعلم الجمال من عالم الحقيقة بالكلية، وغالبا ما يسمى هذا الموقف في السياق الألماني ب «الوضعية». ويوحي تزامن هذه الرؤية المتطرفة مع القدرة التدميرية الهائلة لتطبيق العلوم، التي تجلت أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها؛ بالسبب في أن بعض الفلاسفة الألمان سوف يرون الوضعية باعتبارها مرتبطة على نحو خطير بالجانب المظلم من الحداثة. لذلك، فإن الفجوة بين ما يمكن أن تفعله العلوم وقدرة البشر على استخدامها للصالح العام، هو أمر ضروري لفهم الصراعات التي شابت الفلسفة الألمانية خلال القرن العشرين. «المنحى اللغوي» الثاني
إن النقاط التي سوف نستعرضها هنا في عجالة تمثل التطورات الفلسفية المهمة في ألمانيا في أواخر القرنين التاسع عشر والعشرين، وذلك من منظور جانب كبير من أنصار الفلسفة الأنجلو-أمريكية في القرن العشرين. ولكن، ثمة أسباب للتشكك في المنظور الأنجلو-أمريكي تشير إليها دعوى الفيلسوف النمساوي موريتس شليك عام 1932 أن:
مصير «المشكلات الفلسفية» كالآتي: بعضها سوف يختفي ببيان كونه أخطاء وسوء فهم للغتنا، والآخر سوف يختفي ببيان كونه أسئلة علمية عادية متخفية، وهذه الملاحظات - على ما أعتقد - تحدد مستقبل الفلسفة ككل.
إن هذه الملاحظة يمكن على نحو لا ينكر أن يكون نيتشه قد أبداها في «إنساني مفرط في إنسانيته»، والفارق هو أن شليك جزء من حركة مدفوعة أيديولوجيا افتقرت إلى الإدراك المشتت على نحو لا ينكر لدى نيتشه في أخرياته؛ لكون المرء ربما لا يزال يفكر في «ظل الإله» عن طريق محاولة الإتيان بطرق نهائية لتفادي «المشكلات الفلسفية». وحتى الآن لم يفعل «مستقبل الفلسفة ككل» شيئا سوى تأكيد نبوءة شليك؛ فبعض الفلاسفة التحليليين المعاصرين، على سبيل المثال، يحاولون مجددا تقديم أجوبة للمشكلات الميتافيزيقية. فما الذي غير مجريات الأمور إذن؟
يبدو أن الأهداف المعادية للميتافيزيقا لدى كثير من مؤسسي الفلسفة التحليلية المتحدثين باللغة الألمانية قد وضعتهم في معسكر نيتشه نفسه، كما أن بعض معاصري شليك، من أمثال أوتو نيورات، كانوا متأثرين بنيتشه (وماركس). وقبيل عشرينيات القرن العشرين، كان من المفهوم تماما الشعور بالحاجة إلى الفلسفة التي تستخدم العلم القابل للاختبار للرد على الأفكار اللاعقلانية التي كانت مميزة للفاشية. ومع ذلك، لا داعي للربط بين جوهر الفكرة التحليلية التي ترى أن مشكلات الفلسفة يجب أن تدرس من حيث التحليل اللغوي، والموقف العلمي المعادي للميتافيزيقا. وعلاوة على ذلك، فقد كانت الفكرة الأساسية في أن فهم اللغة محوري للفلسفة المطروحة بالفعل من قبل هامان وهيردر، وهنا تبرز قضية حيوية؛ لأن مفكري «المنحى اللغوي» الأول لديهم رؤية مختلفة جدا عن ماهية اللغة؛ فاللغة بالنسبة إلى هامان وهيردر هي شكل التعبير عن كل ما يفترض أن يكون إنسانيا، الأمر الذي يعني أن التعبيرات الجمالية على سبيل المثال يمكن أن تكون في أهمية الإفادات الواقعية. ويتضح اختلاف مقاربتهم عن المقاربة التحليلية إذا نظر المرء إلى ما سيصبح هو الفكرة الحاسمة عن اللغة في الفلسفة التحليلية.
عبر عن هذه الفكرة للمرة الأولى الفيلسوف التشيكي برنارد بولزانو (1781-1848)، ويظهر في دعواه أن «التمثيل الموضوعي الذي تدل عليه أية «كلمة» يكون مفردا ما دامت هذه الكلمة غير غامضة»، ولا يمكن أن تكون الأحداث العقلية الجزئية بطبيعتها لأي فرد تجريبي هي أساس وصف لفكر ومعنى؛ لأنه لا يمكن التعبير عن المعاني دون اللغة، التي هي الوسيط العام لمشاركة الأفكار بين الأفراد؛ ومن ثم يجب أن تكون المعاني موجودة بطريقة ما «في العالم». والسؤال الأهم هو: كيف سيفهم ذلك؟ ففكرة أن المعاني موجودة في العالم قد تجعل المعاني موضوع نظرية مماثلة للنظرية العلمية، ومن هنا تأتي فكرة بولزانو أن المعاني هي «تمثيلات موضوعية» تدل عليها الكلمات، وليست شكلا عارضا وذاتيا.
إن مصير هذا المنهج «الدلالي»، والذي يشكل لب ما يمكن تسميته بدقة الفلسفة التحليلية، مرهون بشرط «ما دامت هذه الكلمة ليست غامضة». فكيف يعرف المرء أن الكلمة غير غامضة؟ من المفترض أن هذا الأمر يجب إثباته عن طريق تعريف المعنى الحرفي للكلمة، ومع ذلك فمن الجائز قول: إن كثيرا من تاريخ الفلسفة التحليلية يتضمن سلسلة من الإخفاقات في تحقيق ذلك. وإذا حدد شخص المعنى عن طريق استخدام كلمات أخرى، فيجب تعريف هذه الكلمات بدورها باستخدام كلمات أخرى، الأمر الذي ينذر بتسلسل من الكلمات المعرفة لكلمات. وقد أشار كانط بالفعل إلى هيكل المشكلة هنا عندما ذكر أن الحكم لا يمكن أن يعتمد فقط على تطبيق القواعد، وإذا أراد شخص أن «يميز إن كان شيء ما يندرج تحت القاعدة أم لا، فهذا لا يتأتى إلا من خلال قاعدة أخرى»، الأمر الذي يؤدي إلى تسلسل من قواعد القواعد. وعلاوة على ذلك، إذا كانت القاعدة الأولى مطلوبة لمعرفة ماهية المعاني، فسوف يتعين على الأطفال - كما أوضح شلايرماخر منذ أمد طويل - أن يكونوا قادرين على تعلم القواعد حتى قبل أن يعرفوا أي كلمات ، وإذا أخذنا في الاعتبار أن الأطفال يتعلمون اللغة بسهولة ملحوظة، فإن فكرة أن المعنى يمكن تحديده عن طريق تعلم قواعد لا يمكن أن تكون صحيحة؛ وهذا يقودنا نحو «براجماتية» اللغة، فكرة أننا نتعلم كيف نستخدم الضجيج لتحقيق أهدافنا، بدلا من تعلم قواعد المعنى.
الحل المفترض الآخر للمشكلة الدلالية هو أن تكون لديك فئة من الكلمات أو الألفاظ التي يكون معناها «محددا» إلى حد ما بطبيعتها. ومثال ذلك الكلمات التي لها مرادفات متطابقة، والعبارات التي تشير بصورة مباشرة إلى ما تدل عليه في العالم. وكما رأينا في الفصل الثاني، فالأولى هي ما هو مضمن في الجمل «التحليلية»، مثل: «الأعزب هو رجل غير متزوج»، المتميزة عن الجمل التجريبية «المركبة». وكما اقترح شلايرماخر سابقا، وطرحه كواين مرة ثانية في خمسينيات القرن العشرين، إذا كان لا يمكن الدفاع عن المكانة المنطقية الخاصة المنسوبة للجمل التحليلية، فإن المشروع التحليلي المبكر القائم على إرساء نظرية للمعنى تستند فقط إلى الحقائق المنطقية والعبارات العلمية التجريبية؛ محكوم عليه بالفشل. ومن ثم، يجب أن يكون استخدام اللغة كليا حتى تكتسب الكلمات معانيها عن طريق علاقاتها بالممارسات الإنسانية، وعن طريق تحويل العلاقات إلى كلمات أخرى. ويلخص شليك البديل التحليلي الثاني: «يجب أن نربط الكلمات ربطا مباشرا بالتجربة في شكل إشارات، ويقبع المعنى كله في النهاية في المعطى.» ولكن هذا الأمر لا يجدي، وذلك للسبب الذي أشارت إليه فكرة «التأمل» لدى هيردر؛ فاللغة تمكننا من رؤية الشيء كعدد غير محدد من الأشياء. ومجرد الإشارة إلى شيء لا يوصل المعنى الذي يقصده الشخص القائم بالإشارة.
لا تلعب الفلسفة التحليلية الدور الرئيسي في الفلسفة الألمانية للقرن العشرين، إلا أن جوتلوب فريجه (1848-1925) كان له إسهام جوهري في تطورها؛ فقد حقق فريجه إنجازات رائدة في المنطق عن طريق تحوله عن الأشكال الأرسطية لمنطق الموضوع- المحمول، إلى منطق «قضوي» (حسب القضايا). فالأول يبدو عاجزا عن التعامل مع عبارات من قبيل: «أحاديو القرن لا وجود لهم»؛ لأن هذه العبارات يجب أن تحلل حتى لا ينتمي الوجود المحمول إلى «أحادي القرن» الموضوع. وفي هذه الحالة، «ما» هو الذي ليس له محمول، إذا أخذنا في الاعتبار أنه غير موجود؟ أما منهج فريجه القضوي، فيعيد صياغة هذا بلغة «يوجد «س» بحيث إن «س» هو/ليس هو أحادي القرن». فبدلا من البحث عن أحادي القرن للنظر فيما إذا كان يمكن إعطاؤه المحمول «الوجود»، ينظر المرء - كما قد اقترح أرنست توجندهات - إلى الأشياء الموجودة ليرى إن كان الوصف «أحادي القرن» يمكن أن ينطبق عليها. وتكمن قيمة هذا المنهج في قدرته على بيان التغيرات في المعرفة، عندما - على سبيل المثال - يتوقع ما يحرق عن كونه فلوجيستون، ويصبح أكسجينا. ويقدم فريجه أيضا تفرقة لا تزال موضع نزاع بين «المعنى» و«المرجعية» والتي يوضحها عن طريق مثال كوكب الزهرة؛ فبالنسبة للأقدمين كان هذا الكوكب نجمين، نجم النهار ونجم الليل، ومرجعية هذين اللفظين واحدة، لكن معنيهما مختلفان. وتكمن المشكلة هنا في توضيح فكرة «المعنى» التي يجب أن تتغلب على المشكلة التي رأيناها مع «التمثيل الموضوعي» لدى بولزانو، والتي هي مكافئة له بدرجة كبيرة؛ فقد ووجهت محاولة تعريف المعنى بمشكلة التسلسل المشار إليها آنفا، الأمر الذي أدى إلى الرغبة في فئة خاصة من الكلمات يكون معناها غير غامض.
صفحه نامشخص