فلسفه آلمانی: مقدمهای بسیار کوتاه
الفلسفة الألمانية: مقدمة قصيرة جدا
ژانرها
وما يعد تحليليا لن يعد كذلك في سياقات أخرى؛ حيث لا توجد مفاهيم تأسيسية راسخة خارج الشبكة المتغيرة للغة. وبالنظر إلى تاريخ مقاربات الفلسفة الألمانية في اللغة بعد كانط، يمكن الاستدلال على مقدار ما تم تجاهله في تناول اللغة في الفلسفة التحليلية الأنجلو-أمريكية. ويتعلق السبب في تجاهل المقاربات الألمانية بالرغبة التحليلية للفلسفة في منافسة العلوم الطبيعية بشدة، وسيكون موضوع الفصول التالية هو بيان إن كان هذا هو المسار الأفضل للفلسفة أم لا.
الفصل الثالث
المثالية الألمانية
ما المثالية الألمانية؟
يمكن تفسير الذات الحديثة على أنها - حسب عبارة كانط - «تمنح التشريع» لكل من الطبيعة (ممثلة في العلوم) والذات نفسها (ممثلة في حرية الإرادة الأخلاقية)، وأيضا على أنها مبتلاة بإحساس ب «الضياع» ناتج عن ارتيابها في اللاهوت وفي الأدوار والهويات التقليدية. وقد سعى كانط إلى إثبات فكرة حرية الإرادة عن طريق وضع الحرية في مجال لم يكن خاضعا لقوانين الطبيعة. وفي الوقت نفسه، كان يتعذر على المعرفة البشرية بلوغ الطبيعة «في ذاتها»؛ فكيف إذن تتصل الطبيعة في حد ذاتها بحرية الإنسان؟ تهدف «المثالية الألمانية »، التي ظهرت في تسعينيات القرن الثامن عشر، إلى إعادة التفكير في العلاقة بين الذاتي والموضوعي في ضوء دعاوى كانط. كيف تتصل قدرتنا «التلقائية» على «منح التشريع» للطبيعة بالطبيعة التي يمنح لها التشريع؟ إن هذه القدرة يجب - على نحو ما - أن تمنحها لنا الطبيعة نفسها؛ لأننا كائنات طبيعية. لكن على النقيض من سائر عناصر الطبيعة لا يمكن للقدرة أن تظهر؛ لأنها هي التي تجعل التفكير في الطبيعة بطريقة موضوعية «كمظهر» ممكنا على أية حال. وما تظهر له الأشياء لا يمكن أن يكون شيئا كالذي يظهر تماما، وهذا يعني أن الدعاوى بشأن قدرتنا التشريعية لا يمكن أن ترتكز على دليل موضوعي عن العقل، كالذي يمكن الحصول عليه من علم النفس؛ لأن ذلك العلم نفسه يعتمد أيضا على تلك القدرة. وعليه، فإن الفكرة التي تراها المثالية الألمانية ضمنية لدى كانط، هي أن المعرفة التي تعتمد على تلقائية الحكم والفعل الإرادي التلقائي يمكن النظر إليهما على أنهما يشتركان في المصدر نفسه، ويتعذر الوصول إلى هذا المصدر بنوع البحث المتبع في العلوم، وتقود هذه الفكرة إلى احتمالين أساسيين يشتركان في نقاط معينة.
يرى أحد الاحتمالين «الذاتية» - «الأنا» بالمعنى الواسع جدا لها في المثالية الألمانية - على أنها أساس وجود «عالم» في المقام الأول، وليست الفوضى اللامتسقة؛ ومن ثم فإن «الذاتية» هي ما يولد أشكالا قادرة على البقاء تصبح من خلالها الطبيعة شيئا حيا ومفهوما، ودون «الضوء» الذي يضفيه التفكير على الطبيعة، ستكون الطبيعة عصية على الفهم لنفسها. ويمكن الاستدلال على أهمية هذا النوع من المقاربة بفكرة أن المادة التي تتألف منها الكائنات الحية تستبدل أثناء حياتها، دون أن تصبح شيئا مختلفا. والفكرة هي أن هذا يوحي بسيادة نوع معين من مفهوم «العقل» - بالمعنى الذي ينشئ أشكالا مفهومة - على الطبيعة؛ فدون فاعلية العقل لا شيء محددا يمكن أن يظهر من الأساس. وهكذا يصبح جوهر الفلسفة هو فاعلية الذات، وليس تفسير العالم الطبيعي الموضوعي.
والاحتمال الآخر هو أن كلا من فاعلية العقل والحرية متأصل في «إنتاجية» الطبيعة. فالطبيعة مرة أخرى ليست مجرد نظام موضوعي من القوانين؛ لأنها «تنتج» الذاتية، التي عن طريقها تعرف نفسها وتصبح متمتعة بحرية الإرادة، بدلا من البقاء منغلقة على نفسها. ومع ذلك، فإنتاجية الطبيعة لا تقع في النهاية في نطاق سيطرتنا، حتى إن تفكيرنا «يحدث»، وهو ليس بالشيء الذي ندفع أنفسنا عن وعي إلى القيام به. وما إن يظهر التفكير حتى توجد درجة من حرية الإرادة في التفكير. والسؤال هو: ما مدى الحسم الذي تكون عليه حرية الإرادة هذه؟ فالذات المفكرة هنا ليست شفافة تماما لذاتها، وتعتمد إلى حد ما على شيء «غير واع».
يشترك كلا الاحتمالين في فكرة أنه على الرغم من أن التغيرات في الطبيعة تحددها القوانين، فإن فكرة أن الطبيعة مهيكلة من الأساس، وديناميكية لا ثابتة، لا تتحدد على هذا المنوال نفسه. تتعلق الأفكار المتصلة بالبديل الأول بسالومون ميمون (1754-1800) ويوهان جوتليب فيشته (1762-1814)، بينما تتعلق الأفكار في البديل الثاني ب «فلسفة الطبيعة» لفريدريش فيلهيلم جوزيف شيلينج (1775-1854). ويحاول جورج فيلهيلم فريدريش هيجل (1770-1831) تجاوز الفروق بين هذين البديلين عن طريق وصف العلاقة بين الذاتي والموضوعي بطريقة جديدة، كما سنرى. ومنذ نهاية عشرينيات القرن التاسع عشر فصاعدا، سيبرهن شيلينج على أن وصف هيجل للمثالية عاجز عن فهم الملامح المحورية للوجود الإنساني.
شكل : فريدريش فيلهيلم جوزيف شيلينج، عام 1848.
1
صفحه نامشخص