13
وعاد النزاع في الإسلام بين القحطانية والعدنانية، فكان في كل قطر عداء وحروب بين النوعين، واتخذوا في كل صقع أسامي مختلفة؛ ففي خراسان كانت الحرب بين الأزد وتميم، والأولون يمنيون والآخرون عدنانيون، وفي الشام كانت الحرب بين كلب وقيس، والأولون يمنيون والآخرون عدنانيون، ومثل ذلك في الأندلس، ومثل ذلك في العراق؛ حكى ابن أبي الحديد «أن أهل الكوفة في آخر عهد علي كانوا قبائل، فكان الرجل يخرج من منازل قبيلته فيمر بمنازل قبيلة أخرى، فينادي باسم قبيلته: يا للنخع، أو يا لكندة، فيتألب عليه فتيان القبيلة التي مر بها فينادون: يا لتميم ويا لربيعة، ويقبلون إلى ذلك الصائح فيضربونه، فيفضي إلى قبيلته فيستصرخها، فتسل السيوف وتثور الفتنة»
14
وحكى الأغاني قال: «كان طويس ولعا بالشعر الذي قالته الأوس والخزرج في حروبهم، وكان يريد بذلك الإغراء، فقل مجلس اجتمع فيه هذان الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء ... فكان يبدي السرائر، ويخرج الضغائن»
15
ويطول بنا القول لو أنا شرحنا ما كان من حروب بين القبائل يرجع أصلها إلى العصبية الجاهلية.
وأنت إذا نظرت للشعراء في بني أمية، وجدت فيهم هذا المعنى واضحا جليا، فالشعراء انحازوا إلى قبائل، ثم أخذوا يشيدون بذكر قبائلهم، ويهجون غيرهم شأن شعراء الجاهلية، ولعل أصدق مثل لذلك ما ترى في هجاء جرير والفرزدق والأخطل.
ليست ناحية العصبية هي وحدها ما يظهر لنا في عهد الإسلام من نزعات جاهلية، نزعات أخرى لا تقل عنها وضوحا.
من ذلك: حروب الردة، وذلك أن كثيرا من قبائل العرب عدوا دفع الزكاة للخليفة ضريبة عليهم ومذلة لهم، ونظروا إليها نظرهم إلى قبيلة تتسلط على أخرى، وتضرب عليها الإتاوة؛ فانتهزوا موت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وعبروا عن شعورهم الجاهلي برفض دفعها لأبي بكر؛ وفي هذا يقول قرة بن هبيرة لعمرو بن العاص: «يا هذا، إن العرب لا تطيب لكم نفسا بالإتاوة؛ فإن أعفيتموها من أخذ أموالها فتسمع لكم وتطيع، وإن أبيتم فلا تجتمع عليكم»، وقد عجزوا عن أن ينظروا إلى الزكاة كجزء من المال يؤخذ للصرف في الصالح العام، وهو ما يرمي إليه الإسلام.
صفحه نامشخص