تحولت هذه العصبية القبلية إلى عصبية للمدينة التي سكنوها، فعرب الكوفة ومواليها يتعصبون للكوفة، وعرب البصرة ومواليها يتعصبون للبصرة؛ يفخر كل منهما بطبيعة الأرض وموقعها الجغرافي، ويفخر كل بما كان على يده من فتوح البلدان، ويفخر كل بمن نزل عندهم من صحابة رسول الله، ويعير كل الآخر ما نبت عنده من دعاة للضلالة؛ وأخيرا كانوا يتفاخرون بالعلم
20 ، وظهرت هذه المفاخرات العلمية والمناظرات، وتعصب كل مدينة لعلمائها، ظهورا بينا في كثير من فروع العلم؛ فالبصريون والكوفيون في النحو، والبصريون والكوفيون في الفقه، والبصريون والكوفيون في المذاهب الدينية وعلم الكلام، والبصريون والكوفيون في الأدب؛ يقول أعشى همدان:
اكسع البصري إن لاقيته
إنما يكسع من قل وذل
واجعل الكوفي في الخيل ولا
تجعل البصري إلا في النفل
وإذا فاخرتمونا فاذكروا
ما فعلنا بكم يوم الجمل
بين شيخ خاضب عثنونه
وفتى أبيض وضاح رفل
صفحه نامشخص