133

فجر اسلام

فجر الإسلام

ژانرها

واشتهر من علماء أهل الكوفة: سعيد بن جبير مولى بني والبة، وكان أسود، واشتهر بالبصرة الحسن بن يسار، مولى زيد بن ثابت، ومحمد بن سيرين، وكان أبوه من سبي ميسان، وأمه صفية مولاة أبي بكر الصديق وهو من فقهاء البصرة، وكذلك الحسن البصري، وكان أبوه أيضا من سبي ميسان.

واشتهر من أهل الشام مكحول بن عبد الله وهو معلم الأوزاعي، وأبوه من أهل هراة، وأمه ابنة لملك من ملوك كابل.

واشتهر في مصر يزيد بن حبيب مولى الأزد، كان مفتي أهل مصر، وعنه أخذ الليث بن سعد، وكان يزيد بربري الأصل؛ أبوه من أهل دنقلة

28 .

وهناك غير هؤلاء كثير من العلماء من أبوين عربي وعجمي وكالذي رأيت من حكاية سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، والمعروف بزين العابدين، فإن الزمخشري يروي أن أمهاتهم بنات يزدجرد، وكالشعبي علامة التابعين فإن أباه عربي وأمه سبي جلولاء.

ويطول بنا القول لو أنا أحصينا من كان من علماء هذا العصر من العرب ومن كان من الموالي؛ ولكن نظرة في أنسابهم عامة تدلنا على أن أكثرهم موال.

جاء في العقد الفريد: «وقال ابن أبي ليلى: قال لي عيسى بن موسى وكان ديانا شديد العصبية (أي للعرب): من كان فقيه البصرة؟ قلت: الحسن بن أبي الحسن، قال: ثم من؟ قلت: محمد بن سيرين، قال: فما هما؟ قلت: موليان، قال: فمن كان فقيه مكة؟ قلت: عطاء بن أبي رباح، ومجاهد وسعيد بن جبير، وسليمان بن يسار، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موال، قال: فمن فقهاء المدينة؟ قلت: زيد بن أسلم، ومحمد بن المنكدر، ونافع بن أبي نجيح، قال: فما هؤلاء؟ قلت: موال، فتغير لونه، ثم قال: فمن أفقه أهل قباء؟ قلت: ربيعة الرأي وابن أبي الزناد، قال: فما كانا؟ قلت: من الموالي، فاربد وجهه، ثم قال: فمن فقيه اليمن؟ قلت: طاووس وابنه وابن منبه، قال: فمن هؤلاء؟ قلت: من الموالي، فانتفخت أوداجه وانتصب قاعدا، قال: فمن كان فقيه خراسان؟ قلت: عطاء بن عبد الله الخراساني، قال: فما كان عطاء هذا؟ قلت: مولى، فازداد وجهه تربدا واسود اسودادا حتى خفته، ثم قال: فمن كان فقيه الشام؟ قلت: مكحول، قال: فما كان مكحول هذا؟ قلت: مولى، قال: فتنفس الصعداء، ثم قال: فمن كان فقيه الكوفة؟ قلت: فوالله لولا خوفه لقلت: الحكم بن عتبة وعمار بن أبي سليمان، ولكن رأيت فيه الشر ، فقلت: إبراهيم (النخغي) والشعبي، قال: فما كانا؟ قلت: عربيان، قال: الله أكبر، وسكن جأشه».

ونظير هذا ما جاء في معجم ياقوت في مادة خراسان «قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لما مات العبادلة: عبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمرو بن العاص: صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي، فصار فقيه أهل مكة عطاء بن أبي رباح، وفقيه أهل اليمن طاووس، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن كثير، وفقيه أهل البصرة الحسن البصري، وفقيه أهل الكوفة النخغي

29 ، وفقيه أهل الشام مكحول، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني، إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشي، فكان فقيه أهل المدينة غير مدافع سعيد بن المسيب».

وهناك قصص أخرى كثيرة كهذه لا تخلو من نزعة شعوبية، ولكن أساسها صحيح، وهو أن أكثر العلماء من الموالي، ولذلك سبب آخر غير الذي ذكره ابن خلدون؛ وهو أن الصحابة - كما علمت - استكثروا من الموالي يستخدمونهم في بيوتهم وفي أعمالهم، فإذا كان الصحابي تاجرا فمواليه أعوانه في التجارة، وإذا كان عالما كانت مواليه تلاميذه وأعوانه في العلم، ومتى كان عندهم حسن استعداد نبغوا فيه بحكم مخالطتهم لسادتهم في السر والعلن، وملازمتهم لهم في الإقامة والسفر، ودليلنا على ذلك نافع مولى عبد الله بن عمر، فقد أخذ عنه أكثر علمه، ويسمي المحدثون رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر سلسلة الذهب؛ وعكرمة مولى ابن عباس، فقد مات عبد الله بن عباس وعكرمة على الرق، فباعه ولده علي بن عبد الله بن عباس من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة مولاه عليا فقال له: ما خير لك، بعت علم أبيك بأربعة آلاف، فاستقاله فأقاله، فأعتقه، إلى غير ذلك من الأمثلة.

صفحه نامشخص