ولما كان النيل مثل النبات الذي يسقيه وينميه يعلو وينخفض في كل سنة؛ فقد كان من السهل تصور «أوزير» ممثلا في النيل، الذي يعد أهم ظاهرة في الإقليم المصري، أكثر من تصوره في أي شكل آخر غيره.
3
والواقع أن النيل لم يكن في نظر القوم سوى المنبع الظاهر والرمز لهذه الخصوبة التي كان يمثلها «أوزير».
ثم إن وظائف «أوزير» بحكم طبيعتها قد أدمجته منذ القدم في دائرة الشئون البشرية مما جعله يتصف سريعا بالصفات البشرية والاجتماعية؛ ولهذا فإن هذا الإله الذي كان من شأنه أن يموت ثم يحيا وهكذا دواليك، والذي ظهر بأنه عرضة لمصير البشر من الموت وغيره، قد كان لا محالة ينبوعا صالحا لا ينضب لوضع الأساطير والخرافات وتأليفها، فكان مثل «أوزير» كمثل إله الشمس، قد صار ملكا من ملوك مصر الأقدمين بعد أن ظهر الملوك فوق الأرض. وكان في العادة يسمى «وارث جب» إله الأرض، «الذي أعطاه قيادة البلاد لفائدتها، ووضع في قبضته هذه الأرض وماءها وهواءها وخضرتها وكل ماشيتها، وكل ما يطير وكل ما يرفرف فوقها وحشراتها وحيوانات الصيد في صحاريها، فصار كل ذلك مملوكا شرعا لابن «نوت»
4 [أي أوزير].»
بتلك الكيفية بدأ «أوزير» حكمه الصالح بصفته ملكا على مصر، «وكانت البلاد راضية بذلك عندما أشرق على عرش والده، مثل «رع» حينما يطلع في الأفق.» ولكن بعد أن مر زمن طويل على «أوزير» وهو ملك على مصر انحصر ملكه على وجه خاص في الإشراف على استنبات الأرض (كما تؤكد ذلك الأدلة السالفة)، ثم دخل بعد ذلك بالتدريج إلى الميدان السياسي أيضا، فتقول عنه نفس الأنشودة السالفة الذكر: «إنه هزم أعداءه وذبح مناهضيه بساعد قوي، وجعل خوفه يدب بين خصومه ومد تخوم بلاده.»
ويبرز لنا بوجه خاص «أوزير» مصبوغا بصبغة إنسانية في العلاقات الأسرية التي نجدها مذكورة في الأسطورة التي نسجت حوله، فنجد «إزيس» أخته وزوجه في آن واحد قد وقفت إلى جانبه في ولاء لتصد عنه أعداءه، وحافظت عليه «بأن طردت أعداءه وصدت عنه [الخطر].» ومع ذلك فإن أعداءه استدرجوه إلى الموت بالحيلة إن لم يكن جهارا حتى تغلبوا في النهاية عليه كما قص ذلك المؤرخ «بلوتارخ»، ولو أنه لا توجد لدينا أية وثيقة في المصادر المصرية القديمة عن قصة الصندوق التي رواها «بلوتارخ» وذكر فيها أن خصوم «أوزير» المتآمرين عليه قد أغروه حتى دخل في الصندوق ثم أغلقوه عليه حتى مات بداخله، وكان رأس أعداء «أوزير» الطيب، أخاه «ست» الذي كان مع ذلك يخاف الملك الطيب.
وقد نصت متون الأهرام التي تعد من أقدم المصادر القديمة على قتله، فإنها قالت: «وصرعه أخوه «ست» على الأرض في «نديت».» أو تقول: «وطرحه أخوه «ست» على جنبه على الشاطئ الأقصى لأرض جحستي.»
ولكننا من جهة أخرى نجد أن المسرحية المنفية التي تعد أقدم ما وصل إلينا من المصادر القديمة لدرجة أنها أقدم من عصر الأهرام تقول: «إن «أوزير» أغرق في مائه الجديد [أي ماء الفيضان].»
وعندما وصلت الأخبار إلى «إزيس» التعسة عن مقتل أخيها هامت على وجهها في حزن شديد باحثة عن جثة سيدها: «باحثة عنه بلا كلل، فسارت في أنحاء هذه الأرض محزونة غير هادئة البال إلى أن عثرت عليه.»
صفحه نامشخص