125

فجر الضمير

فجر الضمير

ژانرها

1

والإنسان يعيش بعد الموت وأعماله تكوم بجانبه كالجبال؛ لأن الحياة الأخرى أبدية ولا يهمل أمرها إلا الغبي، أما من يصل إليها دون أن يرتكب إثما فإنه سيبقى هناك كإله يسير بخطى واسعة مثل أرباب الخلود (يعني الأموات البررة).»

وإذا كان الإنسان يعد لنفسه قبرا في الجبانة فإن «مريكارع» كان يذكره والده بأن يقيم قبرا لنفسه «بصفته إنسانا مستقيم الحال، وبصفته إنسانا أقام العدل (يعني ماعت)؛ لأن ذلك هو الذي يركن القلب إليه.»

و«الفلاح الفصيح» الذي لا صديق له كان يقول «لمدير البيت العظيم» عند مرافعته عن نفسه مطالبا إياه بتوخي العدالة: «احذر، إن الأبدية تقترب.»

وقد رأينا أن «أميني» أمير مقاطعة «بني حسن» العظيم، نقش على باب قبره سجل أعماله الصادرة عن العدالة الاجتماعية فيما يختص بمعاملته لرعيته، راجيا أن يكون ذلك السجل خير جواز مرور يتخذه للذهاب في سفره إلى عالم الآخرة.

وقد ملئت محاجر المرمر بجهة «حتنوب» (بيت الذهب)، الواقعة في الصحراء الشرقية خلف «تل العمارنة»، بالنقوش التي دونت فيها حياة أمراء ذلك العهد الإقطاعي الذين جاوروا تلك البقعة، حيث ذكروا مرارا وتكرارا ما كانوا عليه من حب الخير والعدالة. وبمثل هذا التكرار دون أولئك الرجال الذين عاشوا في العهد الإقطاعي فوق مقابرهم ما كانوا يعزونه لأنفسهم من الأخلاق العادلة، فيقول موظف من موظفي ذلك العصر اسمه «سسنبنف» في نقش على ناووسه: «إنه أقام العدالة وكان يمقت الباطل، الذي لم يره .»

وتبين لنا متون التوابيت بجلاء أن الشعور بالمسئولية الخلقية في عالم الآخرة قد تعمق تعمقا عظيما في نفوس القوم منذ عصر الأهرام إلى ذلك الزمن، فنجد أن موازين العدالة، التي كثيرا ما ذكرها ذلك «الفلاح الفصيح» في تظلمه المسرحي ضد «مدير البيت العظيم»، قد صارت إذ ذاك تحتل مكانة واقعية عظيمة، ممثلة في مشاهد حساب الآخرة، حيث يقول قائل للمتوفى: «إن أبواب السماء مفتوحة لجمالك، إنك تصعد ... وذنبك مغفور، وظلمك قد محي بأيدي أولئك الذين يزنون بالموازين في يوم الحساب.»

وكما كان ذلك «الفلاح الفصيح» يسمي «مدير البيت العظيم» في كثير من الأحيان «موازين العدل»، كذلك كان من الممكن أن يكون المتوفى متحليا بالأخلاق الفاضلة الحقة التي تشبه في استقامتها كفتي الميزان اللتين لا تحيدان، ومن ثم نجد «متون التوابيت» تقول: «تأمل، إن فلانا هذا (إشارة إلى المتوفى) هو موازين «رع» التي يوزن بها الصدق (يعني الحق).» وهنا يتضح لنا لمن كانت موازين الصدق هذه، ومن هو ذلك القاضي الذي يشرف عليها، فنجده - كما كان الحال قديما - «إله الشمس» الذي كان قد حوكم أمامه نفس الإله «أوزير». ونجد في مناسبة أخرى خاصة بمحاكمة المتوفى أمام الإله «رع» أن هذه المحاكمة كانت تعقد بحجرة القارب الشمسي.

وقد صار المطلب الخلقي الذي يشترطه القاضي الأعظم من الأمور الطبيعية المفهومة، ولذلك يقول المتوفى: «إنه يحب الحق ويكره الباطل، وهو الذي تسير الآلهة في سبيل عدالته المحبوبة.» وعندما يدخل المتوفى تلك السبل الإلهية الحقة، يكون بداهة قد ترك وراءه الرذائل الخلقية، ولذلك يقول المتوفى أيضا: «إن خطيئتي قد أقصيت عني ومحي إثمي، ولقد طهرت نفسي في تينك البحيرتين العظيمتين اللتين في أهناس.»

وتلك الحمامات التطهيرية الرسمية التي كثيرا ما نصادفها مذكورة في «متون الأهرام» قد صارت الآن تدل بوضوح على معنى خلقي، حيث يقول المتوفى محدثا عن نفسه: «إني أسير فوق الطريق التي أغسل فيها رأسي في بحيرة الحق.»

صفحه نامشخص