وبعد ذلك يتحول «نفرروهو» من غير تردد أو تشكك عن تلك الصورة التي يصف فيها القحط الذي وقعت فيه البلاد، وينادي بالكلمات التالية الهامة معلنا قدوم الملك الذي سيخلص مصر مما حاق بها؛ إذ يقول: «سيأتي ملك من الجنوب اسمه «أميني»، وهو ابن امرأة نوبية الأصل وقد ولد في الوجه القبلي، وسيتسلم التاج الأبيض، ويلبس التاج الأحمر، فيوجد بذلك التاج المزدوج، سينشر السلام في الأرضين (يعني مصر) على الوجه الذي يحبه أهلها ...
وسيفرح أهل زمانه، وسيجعل ابن الإنسان
17
اسمه باقيا أبد الآبدين، أما الذين كانوا قد تآمروا على الشر ودبروا الفتنة فقد أطبقوا أفواههم خوفا منه، والآسيويون سيقتلون بسيفه، واللوبيون سيحرقون بلهيبه، والثوار سيستسلمون لنصائحه، والعصاة سيخضعون لبطشه، وسيخضع المتمردون للصل الذي على جبينه.
وسيقيمون «سور الحاكم» حتى لا يتمكن الآسيويون من غزو مصر، وسيستجدون الماء حسب طريقتهم التقليدية لكي تردها أنعامهم. والعدالة (ماعت) ستعود إلى مكانها، والظلم ينفى من الأرض، فهنيئا لمن سيرى ذلك ومن سيكون من نصيبه خدمة ذلك الملك.»
فنرى في ذلك القدوم الفعلي للملك المخلص للبلاد بالفعل، الذي كان مجيئه هو الأمل الذي ينشده الحكيم «إبور»، وقد ذكر «نفرروهو» ذلك الملك بالاسم. ورسم كتابة الاسم «أميني» الذي استعمله «نفرروهو» هو اختصار مشهور للاسم الكامل «أمنمحات»، وواضح أنه المؤسس العظيم للأسرة الثانية عشرة والمصلح الذي أعاد توطيد سلطان مصر في العهد الإقطاعي حوالي سنة 2000ق.م. وقد ذكر عنه في نقش تاريخي بعد ذلك العصر بثلاثة أجيال بشكل يسترعي الأنظار: «أنه قد محى الظلم؛ لأنه أحب العدل كثيرا (يعني ماعت).»
18
وقد كان عرافنا هنا واثقا من أن بطله «أمنمحات» سيستولي على التاجين اللذين يرمزان لحكومة البلاد المتحدة مصر السفلى ومصر العليا، وأنه سيفتح عصرا جديدا، غير أنه يرجئ الإصلاح العظيم على وجه عام إلى المستقبل. وذلك يضع أمامنا سؤالا جديرا بالاهتمام وهو: هل هذا التأكيد الصارخ مجرد نبوءة عن حادثة بعد وقوعها؟ أو كان ذلك إعلانا ناجحا عن بطل منتصر قد نجح نجاحا عظيما في إصلاح مصر العليا حتى إن انتصاره النهائي وإصلاحه لكل مصر كان متوقعا حدوثه؟ أو هل كان «نفرروهو» مرسلا من قبل «أمنمحات» إلى مصر السفلى ليعلن قدومه إليها؟ أو هل كان كأي شخص من أنصار «أمنمحات» يعظم إصلاحاته بتصويرها بجانب صورة ما صارت إليه البلاد من الدمار والخراب قبل مجيئه؟
وإنه لمن المستحيل أن يعطى الإنسان جوابا شافيا عن تلك الأسئلة، ولكن الأرجح على ما يظهر أن «نفرروهو» كان حقيقة محاطا في زمنه بالخراب الذي صوره لنا في تلك الصورة القوية، وأن تاريخ حياة «أمنمحات» المقرونة بالنجاح في مصر العليا قد جعل نجاحه في إعادة وحدة البلاد إلى ما كانت عليه وإرجاع مجدها القديم متوقعا. وقد يبدو من المدهش حقا أن يذكر «نفرروهو» صراحة أن الفرعون الجديد ليس من سلالة البيت المالك القديم، على أنه لا شك كان في البلاد إذ ذاك مطالبون بالعرش أو مدعون له كثيرون، لدرجة أن ظهور مطالب آخر مثل «أمنمحات» قد أصبح لا يثير تأثيرا يذكر.
كما أن تسمية «أمنمحات» «بابن الإنسان» - كما ذكر ذلك فيما سلف على لسان ذلك المتنبئ - يلفت النظر ويوحي إلينا في الحال بوجود علاقات قد لا نرى لها وجودا؛ إذ إن ذلك التعبير قد استعمل في النصيحة الموجهة إلى «مريكارع» ليدل على «ابن رجل ذي أهمية»، وقد جرى في بلاد بابل القديمة استعمال تعبير مشابه لذلك التعبير. وذلك الإعلان الذي أعلنه ذلك المتنبئ يشمل قيام مليكه بعملين هما من الأهمية للشعب البائس في مصر الطريحة بمكان، وهما:
صفحه نامشخص